وعز الوزارة ، ومنتهى الأمال ومصدر الإشارة ، ومن لا تفي بمحاسنه العبارة ، الوزير الشهير الصدر الأعظم السيد محمد باشا لا زال كما يختار سعيد الأراء محمود الآثار ومناقبه تخلدها أقلام الأقدار.
أما بعد تقديم التحية المناسبة للوزارة العلية المستمدّة من أنوار الخلافة المجيدية ، فإن العبد الفقير قدم للباب العالي خبر وفاة أخيه إنا لله وإنا إليه راجعون وأن أهل الإيالة قدموا العبد الفقير العاجز لجمع الكلمة من هذه الأمة المسلمة ، فأجبتهم لحفظ مصلحة الوطن وقلت ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، والآن وجّهنا لباب السلطنة العلية ومنبع الفضائل الجلية عبد السلطنة نخبة الأعيان وصفوة الأقران وزير البحر أمير الأمراء إبننا خير الدين ، وفي رفقته أمير اللواء إبننا حسين لطلب الفضل المعتاد من السادة القادة السلاطين الأمجاد ، ووجهنا معه الهدية على قدر العبد الفقير لا على قدر السلطنة الكبير ، كما يرى جنابكم السامي تقييد ذلك ، وجنابكم يسير رسولنا فيما يراه من المسالك ، والمحقق المأمول أن وزارتكم العظمى تعامل رسل العبد العاجز بحسن القبول ، كما هو المعروف من آثاركم والشائع من أخباركم ، ويرجع الرسول بفضل السلطنة قرير العين مسرور الفؤاد ودمتم دام لكم الإسعاد وبلوغ المراد على ممر الآماد والسلام ، من معظم قدركم العالي وشاكر فضلكم المقدم والتالي الفقير إلى ربه تعالى المشير محمد الصادق باشا باي وفقه الله. وكتب في ١٨ ربيع الثاني سنة ١٢٧٦ ه.
والمكاتيب على هذا النمط كثيرة وكفى بإعلان الولاة في جميع مكاتيبهم الرسمية بلقب التشريف الذي منحتهم به الدولة العلية ، يقول كل منهم من المشير فلان باشا باي وهاته السياسة هي التي يدين بها أهل القطر التونسي ، كالإعتقادات الدينية مع التمسك بالإمتيازات الحاصلة الآن ، وأهمها إبقاء آل حسين بن علي على الولاية لالتحامهم بهم ، ومعرفتهم طبائع أهل القطر ومنازلهم وطبقاتهم ، وإنما جلبنا ما تقدم بيانه وإن كان الأمر غني عن البرهان لما شاع في أذهان بعض من لا خبرة له ، بأن أحمد باشا شق عصا الإسلام وتبعه من بعده ، وكادوا أن يلمزوا أهل تونس بالكفر لرضاهم بأعماله ، مع أنه لم يأت شيئا فريا ، وغاية أمره التحفظ على الإمتيازات التي أوجدتها العادة ، ورام أن يحصلها رسميا جاء على غير الطريق المناسب ولم يحصل إلا إسقاط طلب الأداء السنوي وإبقاء الولاية في مدة عمره ، وإن تاب إلى الله مما سلكه من عدم الإنقياد لما طلب منه الذي ترائى للجمهور أنه شبه خلاف ، ورقع خرقه بزيادة إرسال العساكر على ما كان يعهد الذي هو في أواخر عهده بهذه الدار ، وعزمه هو وابن عمه من بعده على التوجه إلى دار الخلافة كما هو مشهور عند خاصتهم ، وقال : إن تخوفنا من الدولة العثمانية أراه أن يجر بنا إلى العدم ، ومعاذ الله أن أكون سببا في خروج هذا الصقع الإسلامي من يد المسلمين وخروج روحي أهون عليّ من ذلك ، هب أن الدولة انتزعت من يدي هذا الملك ألست بمسلم ، ورأيته بخط أمين أسرارهم كتبهم الخاص الوزير أحمد بن أبي الضياف.