الجاني تعدّد الأنظار غلط إن كان منصفا حدسه ، وقال : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق : ١]. وقد رأينا سلطنة الإسلام والدول العظام الذين على سياستهم الدنيوية أعمال الأعلام في النقض والإبرام ، يؤكدون الأمان من أنفسهم للرعية ويرونه من الحقوق الواجبة المرعية ، وهو أمر يستحسنه العقل والطبع وإذا اعتبرت مصلحته فهو مما يشهد باعتباره الشرع ، لأن الشريعة جاءت لإخراج المكلف عن داعية الهوى ومن التزم العدل وأقسم عليه فهو أقرب للتقوى ، وبالأمن تطمئن القلوب وتقوى وقبل هذا كاتبنا علماء الملة الأركان وبعض الأعيان بعزمنا على ترتيب مجالس ذات أركان للنظر في أحوال الجنايات من نوع الإنسان والمتاجر التي بها ثروة البلدان ، وشرعنا في فصوله السياسية بما لا يصادم القواعد الشرعية ، هذا وأحكام الشريعة جارية مطاعة والله يديم العمل بها إلى قيام الساعة ، وهذا القانون السياسي يستدعي زمنا لتحرير ترتيبه وتدوينه وتهذيبه ، وأرجو الله الذي ينظر إلى قلوبنا أن تستقيم بهذا الترتيب أحوال الرياسة ولا يخالفه ما ورد عن السلف الصالح من اعتبار السياسة ، وأنا العبد الفقير أتعجل لمرضاة ربي بما تطمئن إليه النفوس وتكون منزلته في النفس منزلة المشاهد المحسوس ، وتأسيسه على [أحد عشر قاعدة] :
الأولى : تأكيد الآمان لسائر رعيتنا وسكان أيالتنا على اختلاف الأديان والألسنة والألوان في أبدانهم المكرمة وأموالهم المحرمة وأعراضهم المحترمة ، إلا بحق يوجبه نظر المجلس بالشورى ويرفعه إلينا ولنا النظر في الإمضاء أو التخفيف ما أمكن أو الإذن بإعادة النظر.
الثانية : تساوي الناس في أصل قانون الأداء المرتب أو ما يترتب وإن اختلف باختلاف الكمية بحيث لا يسقط القانون عن العظيم لعظمته ولا يحط عن الحقير لحقارته ويأتي بيانه موضحا.
الثالثة : التسوية بين المسلم وغيره من سكان الأيالة في استحقاق الإنصاف لأن استحقاقه لذلك بوصف الإنسانية لا بغيره من الأوصاف ، والعدل في الأرض هو الميزان المستوي يؤخذ به للمحق من المبطل وللضعيف من القوي.
الرابعة : أن الذمي من رعيتنا لا يجبر على تبديل دينه ولا يمنع من إجراء ما يلزم ديانته ولا تمتهن مجامعهم ويكون لهم الآمان من الإذاية والإمتهان لأن ذمتهم تقتضي أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
الخامسة : لما كان العسكر من أسباب حفظ النوع ومصلحته تعم المجموع ولا بد للإنسان من زمن لتدبير عيشه والقيام على أهله ، فلا نأخذ العسكر إلا بترتيب وقرعة ولا يبقى العسكري في الخدمة أكثر من مدة معلومة كما نحرره في قانون العسكر.
السادسة : أن مجلس النظر في الجنايات إذا كان الحكم فيه بعقوبة على أحد من أهل الذمة يلزم أن يحضره من نعينه من كبرائهم تأنيسا لنفوسهم ودفعا لما يتوهمونه من الحيف والشريعة توصي بهم خيرا.