مبلغا بالربا من أوروبا قدره نحو تسعة عشر مليونا فرنكا حسبما هو محرر بالتقرير المصحح بخطه وخط المجلس الأكبر ، وقد برح إذ ذاك الخفا وبان لعقلاء رجال الحكومة سوء تصرفاته فكان أعظم المضادين له من كان أكثرهم قربا إليه ، وألحوا عليه في الكف عن تلك السيرة فصار لهم بالمرصاد وصار يشينهم عند الوالي ويقدح فيهم ضد ما كان يقول فيهم لأنه علم حالة الوالي وانقياده إليه ، ورام نقض القانون أو إبقائه صورة لأن مقصد الأمن على خصوص ذاته قد حصل بجريان الوالي على رأيه وإبعاده كل أحد عنه إلا الخدمة لخدمة ذاته ، واشتدت المشاحنة بينه وبين الوزير خير الدين إلى أن استعفى من وظائفه ثم تبعه الوزير حسين والوزير مصطفى أغه والوزير رستم ، وخلا الجو لخزنه دار وأخذت السيرة في طور آخر جديد ورام أن يضاعف أداء الجباية على الأهالي ويصيرها إثنين وسبعين ريالا على الرأس عوضا عن الستة والثلاثين ريالا التي أسسها محمد باشا وطلب موافقة المجلس الأكبر ، فامتنعوا واستبد هو بإمضائها مع تحذير العقلاء له ، فلم يلتفت إليهم مع أن الأهالي في ثروة من أثر سيرة محمد باشا تقويهم على الدفاع عن أنفسهم مع ما استأنسوا به من تلك السيرة وسماعهم بأن العدل والإنصاف قد شملهم بالقانون وأن لهم الكلام على حقوقهم ، فامتنعوا قاطبة وأراد غصبهم على ذلك فثار القطر كله ثورة واحدة لم تعهد من قبل على غاية من الرياضة والأمن بحيث لم يتعرضوا بالأذية لأحد مع أمن السبل وكثرة الغادي والرائح وضبط كل جهة ببعض أهلها لردع السفهاء وحفظ الراحة والأمن ، وكان متولي أكبر الجهة الغربية والملتف عليه أكثر قبائل الأعراب رجلا يسمى علي بن غذاهم وذلك سنة (١٢٨٠ ه).
ولا زالت هذه الثورة تسمى ثورة ابن غذاهم وكاتب الجهات بأنا أخوان ومطلبنا واحد وليس المراد منه الإفساد فالواجب حفظ الأمن والراحة وتأمين السبل ولا نتعرّض لأحد بشيء سوى اتباع الحكومة ، فإذا أرادوا وغصبنا على الظلم ندافع عن أنفسنا ، وأنذرت القبائل عمالهم الذين كانوا بين أظهرهم فمن أراد منهم التوجه إلى الحاضرة أوصلوه بأمان ومن أراد الإقامة منكفا عن التداخل في أمرهم أبقوه بأمان ، ولما توجه أمير الأمراء فرحات إلى الكاف لإجبار قبائل ماجر على ذلك الأداء ، تعرّضوا له وقتلوه فشدد النكير عليهم علي ابن غذاهم وقال لهم : أصل اتفاقنا إنما هو على الدفاع عن أنفسنا وما ضركم قدوم الرجل إلا إذا حاربكم فدافعوا عن أنفسكم ، وكاتب المذكور رئيس الفتيا العلامة الشيخ أحمد بن حسين وطلب منه التوسط في الصلح مع الحكومة ، وحاصل مطالب الجميع إبطال الأداء الجديد وعزل الوزير مصطفى خزنه دار ومحاسبته ، فامتنع الوالي أولا من جميع مطالبهم واشتد الكرب على الحكومة حتى لم يبق أمر الوالي نافذا إلا في الحاضرة ونحو إثني عشر ميلا حولها ، واشتد الخوف في الحاضرة وقدمت أساطيل الدول وأسطول الدولة العثمانية وفيه رسول سياسي أنزل في قصر المملكة بالحاضرة ، وتداخلت نواب الدول في النازلة وفي قبائل القطر وبلدانه كل بما يوافق سياسته ، وكان من جملة إلحاح قنسل الفرانسيس