على الوالي لإرجاع الراحة عزل الوزير خزنه دار لكنه خاطبه بذلك شفاها كما هو مشهور في البلاد ، ورأيته بخط الوزير ابن أبي الضياف.
وأصر الوالي على الإمتناع إلى أن أحضر الوالي معسكرا قليلا وجهه تحت رياسة إسماعيل السني لميل الأعراب له لصدقه ، ثم خلفه الوزير رستم عند مرض الأول ووقع الإتفاق مع جمهورهم على إعطاء الوالي الأمان إلى الجميع وإسقاط الأداء المطلوب وعفا الله عما سلف ، وكتب الوالي بذلك أوامره وباشر بإعطاء الأمن كل من وفد عليه من الرؤساء وانتهز الوزير الفرصة لإبطال القوانين ، بدعوى أن الثورة قامت لطلب إبطالها وما سمع ذلك من أحد لأن أصولها لا تنافي الشريعة وغاية ما تكلمت فيه الناس هو فروع منها ، وذلك أنهم أنكروا كون قوانين الأحكام الشخصية لم تكن شرعية في كثير من المسائل ونسبها الجهلاء إلى أنها كلها مخالفة للشرع لجهلهم ولرؤيتهم هيئة الحكم على خلاف ما تعودوه في هيئة الأحكام الشرعية ، وللتصريح بقصر الأحكام الشرعية على أبواب خاصة دينية ، ولعدم إدخال الحكام الشرعيين في الحكم بالقوانين ، ولأن بعض من أدخل في الحكام لا جدارة له بها حتى خرج عن طوره بما لم تتحمله أنفس المعاصرين ، ولأنه أجريت القوانين دفعة واحدة في جميع الأنحاء حتى في القبائل التي لم يوجد أن يوظف فيها من يعرف القراءة والكتابة التي هي ضرورية في المتوظف ، وصاروا يخبطون خبط عشواء ، وكذلك ملّ الأهالي من التطويل الزائد في الأحكام على ما هو عادة الأشياء في مبدئها ، فهو في الحقيقة إرادة لإصلاح نفس القوانين لا كره ذاتها بدليل أن المجلس الأكبر لم يتعرّض له أحد من العامة والخاصة بالقدح فيه إلا بعدم اشتماله على أفراد من جهة المملكة حذاق لكي يعرفوا بما يليق بأحوال أطراف القطر ، والحال أن المجلس الأكبر هو روح القوانين لمحافظته على أساسها ، لكن الذي لم يكن له قصد سوى الأمن على نفسه وقد وجد الوالي لا يخشى منه ، أشاع هو ومن كان على شاكلته أن الناس يطلبون إبطال القانون وقد اعتمدت تلك الإشاعة وأبطل القانون ، والدليل على أن الناس لم يطلبوا ذلك المكاتيب التي أرسلها قنسل الإنكليز تسجيلا على إبطال المجالس ومفهومها قاض بموافقته قنسل فرنسا على ذلك ، وإن كان سر الأمر هو الإغراء من قنسل فرنسا بإبطالها ، لما ذكر في سياسة فرنسا بتونس.
ونص تعريب مكتوب قنسل الإنكليز الأول في فبراير سنة (١٨٦٤ م ١٢٨٠ ه) : «المعروض على جنابكم الرفيع ، أني [أرى] من الواجب عليّ أن نذكر جنابكم في هذا الوقت الذي أحواله الزمت جنابكم الرفيع توقيف تراتيب الحنان المؤسسة على الحرية في بلادكم ، فإن هاته التراتيب وقعت الوصاية في شأنها وكان ترتيبها بملاحظة الدولتين الحبيبتين الإنكليزية والفرنساوية وجنابكم ، وعدهما إذ ذاك رسميا بإتمامها وإبقائها على جميع قوتها وعدم تغييرها ، ووكيل الدولة الإمبراطورية الفرنساوية ورد له الإذن من دولته كما ورد لي الإذن من دولتي لأنهما على اتفاق واحد في النازلة وفي الحث على طلب