إلا بنقض نفس الشريعة ، ولم تتخيل ولا يخطر ببالها بوجه من الوجوه أن السادة الأجلاء المفتيين والمدرسين للشريعة الذين حلفوا يمينا على إبقاء عهد الأمان أن يرضوا بأن يشيع في العالم ما لا يناسبهم من وقوع الشك في وفائهم بما عاهدوا عليه ، ومع ذلك دولة المعظمة الملكة ترى في الأمور المتعلقة باتفاق عمومي بينها وبين الحكومة التونسية أعظم اعتمادها دون الإعتقاد العمومي وهو صدق الباي ومحبته في إجراء العمل كما يجب بمقتضى الإتفاق المذكور ، فلذلك الواضع إسمه يرجو أن على جناب الباي يتفضل بالجواب عن الأسئلة المبينة في مكتوبه المؤرخ في مايه وذلك لإعلام دولته بجواب مقنع.
فأجابه الوالي في ذلك التاريخ ، بأن عهد الأمان باق على قوته ومفهومه ، فلو كانت الأهالي طلبوا إبطال القانون لما استطاع القنسل أن يسجل ضدا للرأي العام فيما يرجع إليهم ، على أنه قد صرح رسميا بما هو مطلوبهم كما هو بين لمن تدبر عبارة مكتوبه ، وكذلك ما نسب إلى قنسل الفرنسيس ولو كان امتناع الأهالي من القوانين موجودا لكان للوالي أعظم حجة في التعلل بدليل أنه يحتج به في خلواته على من لا يقدر على معارضته ، ومن وقتئذ تسلطت أيدي العدوان على الأهالي بسلب الأموال والقتل والضرب بالسياط المؤدي إلى القتل ، لأن الوزير اشتد حنقه عليهم حتى دخل عليه أحد الأعيان يوما وهو يقول : «طلبوا دمي فلا أرضى إلا بدمائهم ، طلبوا مالي فلا أرضى إلا بأموالهم». ولعل مراده بطلب دمه هو طلب عزله وقد اعتادوا في بعض الوزراء السابقين قتلهم فظن أن العزل يؤدي للقتل وإلا فنفس قتله لم يطلبه أحد أما المال فنعم قد طلبوا حسابه وأول باكورة بعد إبطال القوانين افتتح بها لأهل الحاضرة مع أنهم هم وحدهم الذين بقوا خاضعين للحكومة إلا أنه كثر بينهم الكلام في إنصاف مطلب الأهالي فجلد أحد أعيانهم المسمى محمد بن مصطفى عجم الشهير فيهم بالوجاهة بمجرد تهمته أنه أغرى بعض غلمان القصر الأميري بالهروب ، فجلد خمسمائة سوط مؤلمة بحضور أحد خواص الوالي لإتقانها وإكمال عددها وسجن مع الأعمال الشاقة في الكراكه ، ومنهم محمود بن سالم أحد الأعيان من التجار وأحد أعضاء مجلسهم ، ادعى الوزير أنه اشتكى به إليه من جماعة المجلس وسجنه. ومن أغرب الأمور أنه لما لاذ أهل المسجون بالوزير طالبين تسريحه أو بيان ما هو مطلوب فيه أرسل إلى جماعته يسألهم ما هي شكواكم التي سجنا بها الرجل فأجابوه أن جنابه أعلم بها منهم لأنه اعتمدها حتى عاقب الرجل بالسجن ، كما حصل لرجال الحكومة أشياء فمنها :
أنه حجر على الوزير إسماعيل السني الذي اعتمد في حل عقدة الثورة ، وعلى أمير الأمراء رشيد الذي سافر بالعساكر إلى الأستانة في حرب القريم ، وأمير اللواء الشريف السيد حسن المقرون الذي له اليد البيضاء في حفظ الراحة في الثورة في الحاضرة وحسين ورديان باشا وخسرف وعلي جهان ويونس الجزيري أمير لوا وحسن المدلجي أمير ألاي والسيد محمد المقرون ومحمد بن الحاج رئيس عساكر زواوة الذي جمعهم له عند عدم وجود غيرهم في الثورة وأعانه بما استطاع ، فحجر على جميع هؤلاء في الخروج من بيوتهم