فكانت جملة الأموال التي خاضت فيها الحكومة في مدة نحو سبع سنين مائتين وخمسة وسبعين مليونا فرنكا وصرفها ريالات ما هو مرقوم بآزائها مع مزيد التضايق المالي بتعطيل الجرايات ، حتى امتدت الأيدي إلى الأوقاف وعطل إرسال مال الحرمين الشريفين من أوقافهما عدة سنين ، وكذلك عطل مرتب المدرسين والعلماء من بيت المال الذي أسسه أحمد باشا لاستيلاء الحكومة على ما فيها من المال ، ولم يحصل من تلك الأموال في القطر ما يمكن أن يذكر أو يعد سوى ما تقدم ذكره من السفن والمدافع البالغ مجموع ثمنها إلى ثمانية عشر مليونا ، وإن أضفت إلى ذلك ما خسره القطر والحكومة مما ضاع عند ابن عياد ونسيم وكله بواسطة الوزير المذكور كان مجموعه مع ما بين يزيد على خمسمائة مليون ريالا ، وحيث كان الحال مما لا يمكن إخفاؤه على الوالي بالمرة ذكر له وزيره خزنه دار أنه خزن له في بعض بانكات أوروبا عشرين مليونا فرنكا احتياطا لما عساه أن يقع ، لأن الثورة العامة أنذرت مما يخشى من مثله فلا بد أن يكون له ذخر خارج المملكة ، وذكر ذلك له مرة بمحضر أحد قناسل الدول ثم طلب هذا القنسل إسقاط الطلب عنه بتلك الملايين عند عزله.
ومن وقت انتصاب الكومسيون المالي قصرت يد الوزير خزنه دار عن التصرف وكاد أن يكون إسناد الوزارة إليه إسما بلا مسمى ، وحنق من ذلك أشد الحنق ورام أن يغير الحال فلم يوافقه الوالي لاطلاعه على حقائق الأمور وعلمه أن رجال الحكومة لم يبقوا على ما كانوا عليه من الإلتفاف على الوزير ، وبقي على ذلك إلى أن ظهرت نازلة أرلانجي البنكير بمطلب مالي وادعى أنه إبروسياني وكان ذلك في خلال محاربة فرنسا مع ألمانيا ، وشدد القنسل البروسياني في مطلبه ولم يكن للحكومة مال وظهر للوالي أن يستقرض من وزيره المال المطلوبة فيه الحكومة فأقرضها بالربا ورهن آجام وغابات طبرقه بفائدة عشرين في المائة في السنة ثم ظهرت نازلة الألفي رقعة وحاصلها أن الكومسيون المالي لما حصر جميع الديون ووحدها في دين واحد جعل له رقاعا جديدة وشرع في إبدال القديمة بالجديدة ، فعند ذلك تبين أن الرقاع الجديدة المقدرة على ما ضبط من مقدار الدين لا تفي بالرقاع القديمة التي جاء بها أصحابها للتبديل ، فاستقرى الكومسيون أسباب ذلك وتبين أنه لما انتصب الكومسيون المالي وجهت له الحكومة حسابا رسميا فيه بيان حساب الرقاع الرائجة من سلفى سنة ١٨٦٣ وسنة ١٨٦٥ بعد طرح الرقاع التي رجعت بالخلاص للحكومة في الإقتراعات ، وبعد طرح ألفي رقعة اشتريت على يد البنكير أرلانجي للحكومة من ديونها ، فلم يعتبر الكومسيون في ديون الحكومة إلا ما بقي من رقاع السلفين بعد طرح القسمين المذكورين ، لأن كلا منهما هو خلاص لمقداره من الدين وأذن الكومسيون بطبع عدد من الرقاع جديد بمقدار ما بقي من الدين ولما شرع في تبديل الرقاع وجد في رقاع سلف سنة ١٨٦٣ أكثر مما كان قدره على مقتضى الحساب الرسمي المشار إليه ، فظن أوّل الأمر أنّ الزائد مزوّر فتأمل في جميعها ولم يجد فيها مجالا للزور فحاول حينئذ الكشف عن منشأ هاته الزيادة واستفسر من الوزير خزنه دار عن الألفي رقعة المشتراة على يد أرلانجي وما كان فيها ، فلم يجب وأصر على السكوت مدة أكثر من سنة مع تكرر السؤال له كما