الوالي المذكور القوانين كما مر ولى الوزير خير الدين عضوا في مجلسه الخاص الذي يرأسه بنفسه ، كما ولاه رياسة المجلس الأكبر أي مجلس النواب ، وكان في مبدأ الأمر رئيسا ثانيا للوزير مصطفى صاحب الطابع وهذا هو الرائس الأول ، غير أنه أخذ لقب الوظيفة فقط مراعاة لمقامه وسنه وعجزه سنا ومعارفا عن الوفاء بتلك الخطة ، ومن إنصافه رحمهالله كان يصرح للوزير خير الدين بذلك ويقدمه ، حتى أن القانون بعد إتمام تأليفه عين الوالي أعضاء المجالس حسب الإنتخاب وأمرهم بقراءة القانون وفهم معناه قبل العمل به ، فلم يحضر الرائس الأول وقام مقامه الوزير خير الدين ، وقال في شأن ذلك الوزير أحمد بن أبي الضياف ما نصه :
وأبدى في تقريره أي القانون وبسطه وتفسيره من حسن البيان وفصاحة اللسان ما أعجب السامع وشنف المسامع : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) [المائدة : ٥٤ والحديد : ٢١ والجمعة : ٤] ا ه». واعترف له بالفضل كل من حضر من العلماء وغيرهم ، ثم توفي الرئيس الأول وصار الوزير خير الدين هو الرئيس بالإسم والرسم والعمل ، وقد كان على غره ظانا أن القانون مراد لذاته حقيقة فشمر عن ساعد الجد وطفق يبرهن على المصالح ويفتح البصائر إلى مغزاها ، وتنقاد الأعضاء لسد أبواب المفاسد إلى أن نشبت مخالب التضاد بينه وبين الوزير السابق كما تقدم شرحه ، واضطربت أعضاء المجلس ورأى أن المآل إلى جعل المجلس صوريا لإنفاذ الأغراض على عاتقه ، فاستعفى من الرياسة وبقي عضوا في كل من المجلسين ، وقال في ذلك الوزير أحمد بن أبي الضياف : «وانتفع المجلس بإعانته أي انتفاع مترديا بحية نبله وعفافه وإنصافه الخ».
ثم أرسله الوالي سفيرا عنه إلى دولة السويد والبروسيا والبلجيك والدانمرك وهلاندا مكافأة بإرسال نياشين إلى ملوكهم عما أرسلوا به إليه من النياشين إكراما له على إنشائه القوانين ، وكذلك فعلت غالب دول أوروبا ، وفي أثناء عضويته عرض على الملجس الخاص أن فواضل الأوقاف تصرف للقيام بالعسكر بموافقة أحد العلماء المالكية معتمدا الفتوى بما جرى عليه العمل من غير المشهور من مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضياللهعنه ، من أن فواضل الأوقاف تصرف في طرق البر ورأوا أن القيام بالعساكر من طرقها فخالفهم الوزير خير الدين محتجا بأن القيام بالعساكر له نصيب معلوم شرعا من بيت المال ، فإن كان النصيب المعين شرعا صرف جميعه على العسكر ولم يف بذلك فحينئذ ينطبق النص ونوافق على ما ذكرتم ، وأما إذا كان دخل بيت المال يصرف في غير وجهه الشرعي كما يعلمه الجميع فلا أرى انطباق النص على ما ذكرتم ، ولعمري أنه لهو صميم الحق فثمرة العلم تحقيق المناط وإن ذهبوا إلى العمل بما رأوا وكان ذلك من أسباب إيغار صدور الخاصة والعامة كما تقدم ، ولما راموا أن يضاعفوا الأداء المسمى بالإثنين وسبعين الذي كان سببا في الطامة الكبرى كما مر قال الوزير المذكور للوالي حسبما رأيته بخط الوزير ابن أبي الضياف : «الحاضر في المجلس يا سيدي إن أخفيت ما ظهر لي من نصح