رجع الوزير السابق عن وعده ، وتحمل الوزير خير الدين بسبب ذلك مشاقا صعابا لكنه لم ينتج للوزير مصطفى خزنه دار مراده إلى أن انفصل عن الوزارة بالمرة كما تقدم شرحه.
فأول ما ابتدأ به الوزير خير الدين من الأعمال أنه رأى تداخل الكومسيون المالي في مالية الحكومة يتسع نطاقه إلى التداخل في السياسة ، كما يقتضيه صريح فصول تركب ذلك الكومسيون ، ودليله أنه بعيد انتصابه وجه تقريرا للوالي في أمور تقتضيها وظيفته من مباشرة العمال في استخلاص الأموال وغير ذلك ، وتوقف عن إمضائها الوزير السابق لأنها تؤل إلى خروج التصرف عنه بل وعن الحكومة أيضا ، فاشتكى أعضاء الكومسيون الأجانب إلى قناسلهم بأن أعمال الكومسيون توقفت ، لأن أساسها توقفت الحكومة في إمضائه ، فكتبت القناسل للوالي بالتسجيل والحث على إجراء ما التزم به للدول الثلاثة وهي فرنسا وإيطاليا وانكلترا ، فجمع الوالي جميع رجال الحكومة وعرض عليهم الأمر ، وكان من الحاضرين الوزير أحمد بن أبي الضياف وكتب حسبما رأيته بخطه فيما وقع في المجلس ما نصه : «وتكلم الوزير خير الدين بالمجلس بما يكتب على صفحات الأيام ، إلى أن قال : إنكم دفعتموني إلى هذه الخدمة وأنا عبد لخدمة سيدنا وبلادنا ، على كل حال ، ونطلب الإعانة من جمعكم فإن أعنتموني فلكم الفضل وإن أسلمتموني لا أجنح للهروب ، وإنما أقول أخدم برهة من الزمان وأتأخر ليقدم غيري من أمثالي يخدم مثل مدتي وهلم جرا ، فضمن الجميع له الإعانة كل على حسبه وانفصل الموطن. الخ». وأمضى الوالي مطلب الكومسيون وخاطب القناسل بذلك ، وكان ذلك مما يجر إلى إبقاء الحكومة صورية لأن استخلاص الأموال يستدعي تحسين الإدارة وهو يستدعي العدل فيتداخل الكومسيون في جميع ذلك وتهرع إليه الأهالي ولا يبقى للحكومة إلا النزر ، فلذلك أشار الوزير خير الدين على الوالي بوجه تمضى معه حقوق الكومسيون وتحفظ به حقوق الحكومة وناموسها ، وهو توظيف رئيس الكومسيون بوظيفة وزير للوالي في رتبة الوزير الأكبر بحيث يشاركه عند حضوره وينفرد عند غيابه وتنقل خدمة الكومسيون إلى محل الوزارة ، ويكون مصدر جميع الأعمال واحدا فاستحسن الجميع ذلك الرأي. ووظف الوالي الوزير خير الدين وظيفة سماها بالوزير المباشر ، فرتب أشغال الوزارة على الصورة الآتية وهي الوزارة الكبرى وتنحصر فيها جميع شعب الإدارة إلا الوزارتين الآتيتين ، بمعنى أن الوزير الأكبر ثم الوزير المباشر هما اللذان يباشران جميع المصالح إما بواسطة أو بدونها ، ثم قسم إدارة هاته الوزارة إلى أربعة أقسام :
فالقسم الأول : تحت رياسة مستشار ويرجع إليه جميع الأمور السياسية العامة وأحوال المالية الخاصة بدخل الحكومة وخرجها دون ما يتعلق بالكومسيون المالي.
والقسم الثاني : تحت رياسة مستشار ويرجع إليه ما يتعلق بشكايات الرعية من المتوظفين والعكس.