تونس إذا بقيت حالة القضاة على ما هي عليه الآن حيث أنه يوجد لكل من المذهب الحنفي والمذهب المالكي قاض مطلق الحكم في النوازل ، مع ما يوجد بين المذهبين من الخلاف في كثير من الفروع بل وفي المذهب الواحد تختلف الأقوال ويكون للقاضي الاجتهاد في الترجيح والتطبيق باعتبار الأصلح والعرف ، فيحكم هذا القاضي في حادثة بما يخالف حكم قاض آخر في مثلها ، والأروباويون يريدون أن تكون الأحكام المدخول عليها معروفة لهم من قبل مضبوطة بما لا يتوهمون معه ميل الحاكم إلى غير ما توجبه الحجة ، فلذلك أحضر الوزير خير الدين القوانين المعمول بها في الدولة العلية المتعلقة بالأحكام ، وكذلك القوانين المعمول بها في مصر ، وكلف أحد المهرة العارفين بالأحكام الأورباوية بأن يستخرج من أحكامهم ما يوافق حالة القطر وعرفه ، وبعد ذلك عقد الوزير المذكور مجلسا مؤلفا من شيخ الإسلام من العلماء الحنفية وهو الشيخ أحمد بن الخوجه ، ومن عالمين من المجلس الشرعي المالكية وهما : الشيخ محمد النفير المفتي ، والشيخ عمر ابن الشيخ قاضي باردو ، ومن أحد الوجهاء العقلاء العارفين بإصلاحات البلاد وتجارتها وهو الوجيه حسونه الحداد ليستخرج هذا المجلس من مجموع ما تقدم قانونا شرعيا مطابقا للأحكام الشرعية والعرفية التي عليها عمل القطر من غير تخصيص بأحد المذهبين ، ولكن عاق عن الإستفادة من ثمرة هذا العمل خروج الوزير المذكور من الوزارة فترك المجلس مع أن اتحاد الحكم على سكان قطر واحد ضروري.
ومنها : إنشاء المدرسة الصادقية لتعليم مبادىء الفنون الشرعية كالقراءة والكتابة والقرآن والعقائد. والفقه الحنفي. والمالكي والنحو والصرف والأدب والتاريخ والخط والمعاني وتهذيب الأخلاق والحديث ، وتعليم اللغات التركية والفرنساوية والطليانية ، وتعليم الفنون الرياضية كالحساب والهندسة والهيئة والجبر والجغرافيا والفلك ، ورتب لها معلمين لكل فن وجعلها تقبل مائة وخمسين تلميذا من جميع أبناء القطر المسلمين منهم خمسون تلميذا من أبناء العاجزين عن القيام بهم ، وهؤلاء يسكنون بالمدرسة وتقوم بهم زيادة على التعليم بالأكل واللبس والمسكن مجانا ، وأما المائة الباقية فالمدرسة تقوم بأكلهم نهارا مرة فقط ، وبالتعليم مجانا ، ويلزم أن تكون جميع التلامذة في لبسهم على شكل واحد ، وأوقف عليها من أملاك الحكومة أوقافا لها بال يزيد دخلها السنوي على المائتين والخمسين ألف ريال ، ونتج من أبناء البلاد ما شهد لهم به الوافدون من أهل أوروبا والحاضرون لامتحانهم ، ومثل هاته المدرسة ضروري للممالك الإسلامية سيما في العلوم الرياضية التي اضمحلت من الأمة ، وإنما خص التلامذة من أبناء المسلمين من خصوص الأهالي لأن أبناء الأجانب لا يمكن إجراء التراتيب في حقهم مطلقا إلا إذا وافق أولياؤهم ، والموافقة منهم كأنها غير مأمونة في كل وقت سيما مع اختلاف الأحكام التي مر ذكرها ، وأيضا من خصوصيات المنح للتلامذة عند استكمالهم للمعارف أن يتقدموا في جميع الوظايف المحتاج إليها في القطر على غيرهم ، وهذا إنما يليق بأبناء القطر أما الأجنبي فإنما