بعضهم أن بلدنا صغيرة وليست بمتأنسة بفصل الوزراء على التتابع سيما مع رؤية الرعية لسيرة هذا الوزير فربما نشأ من فصله ما يسوء العموم فأحجم الوالي عن فصله في أثناء تلك المدة ، وقال أحد المحبين للوزير خير الدين ، إن استناد الأضداد في اختراعاتهم يؤل إلى الإستبداد منك على الوالي ورؤساء المتوظفين وذلك ينقطع بأمرين : أولا : أن تتشارك مع بقية المستشارين والوزراء في إعطاء رأيهم مع مستشار القسم الأول من الوزارة ومع أعضاء قسم العمل من الكومسيون ، بحيث يشترك الجميع في الرأي عند تحرير ميزان الحكومة في الخرج في رأس العام. وثانيا : تقسيم الإدارة في الرسم تبعا لما هو جار في المعنى في أقسام الوزارة حتى يكون مستشار كل قسم يلقب بوزير ويمضي هو على المكاتيب ويتحمل مسؤولية ما يعود عليه.
ولما بلغ ذلك الكلام الوزير خير الدين لاحظ فيه ما يأتي وهو أن الأول واقع بالفعل لأنه بعد تحرير الميزان من قسم العمل ومستشار القسم الأول يعرض على بقية الوزراء والمستشارين ويبدون ما يظهر لهم فيه ، ثم يعرض بعد ذلك على الوالي للتروي فيه ويمضي ما يستقر عليه الرأي ، وأما الثاني فإنه حالة ضيق القطر وصغر الإدارة لا تقتضي تعدل المصادر ، بل ربما أوجب ذلك التعاوض في الأوامر لمأمور واحد في حادثة واحدة مع ما في ذلك من زيادة المصاريف بتعدد المأمورين في كل جهة وكل قبيلة وذلك لا تطيقه مالية الحكومة ولا تتحمل الرعايا الزيادة عليهم ، هذا خلاصة جوابه الذي لم يقنع الناصح حيث أن العرض في الأول إنما هو صوري والتضايق في الثاني مدفوع بالاقتصاد وحسن التقسيم مثل ما هو واقع بين المستشارين ، لكن الأهم من جميع ما تقدم امتناع الوالي من إجراء المطلوب بدليل ما جرى من بعد خروج الوزير خير الدين عن الوزارة واستمرار نوع الإدارة على ما سبق من انحصارها في شخصية الوزير الأكبر ، كما نصح الوزير المشار إليه لإبعاد التهم عنه بأنه ينبغي له أن يسوي بين نواب الدول في المعاملة ، ولا يزيد في تقريب نائب فرنسا وهو يقول أن معاملته مع ذاك النائب شخصية لا تعلق لها بالإدارة ، على أنه لو قيل إن تلك المعاملة مما يقتضيها الحال في دفع غائلة فرانسا لما بعد ذلك ، لأن ترجيح كفتها بتونس ضروري وارتكاب أخف الضررين واجب ، فإن لم تر لنفسها رجحانا تكالبت إلى أن تصل إلى قصدها ولو بالتغلب على تلك البلاد كما أوضحنا خلاصة سياستها سابقا ، ولما تقدم عادت المصافاة بين الوزير خير الدين والوالي حتى كتب الوالي إلى قنسل الفرنسيس بتكذيب ما أشيع تارة بعزمه على إبدال الوزارة وتارة بالعزم على التنقيص من مقدار الفائض ، مما أوجب عدم الإطمئنان بمالية الحكومة وانحطت أثمان رقاع دينها ، فكتب إليه في جمادى سنة ١٢٩٢ ه بما نصه :
«الحمد لله وحده أما بعد : فقد رأينا في الجرنالات الفرنساوية ذكر ظنون أبرزت في صورة مقدمات مسلمة واستخراج نتائج ، منها يريد صاحبها التنفير من إدارة دولتنا وتنقيص ثقة حاملي الرقاع بما بأيديهم من رقاع الدولة ، مع أن تلك الظنون لا حقيقة لها في الواقع