الواقع منسوبة لسعي مصطفى بن إسماعيل حيث كانت التصرفات بين هذين الوزيرين في مدة وزارة محمد مثل التصرفات بين الوزير مصطفى خزندار والوزير خير الدين بعد ولاية هذا وظيفة وزير مباشر ، وغاية الفرق بينهما أن وزارة محمد وابن إسماعيل لم يظهر فيها جهرة التباين والعناد ، ووزارة خزندار وخير الدين بخلاف ذلك ، فليس من الإنصاف نسبة مساعي أحد الرجلين إلى الآخر كما ذكرنا مثل ذلك سابقا ، سيما مهم المسائل الخارجية فقد كادت أن ينفرد بها الوزير ابن إسماعيل وليس للوزير محمد فيها إلا الإجراء ، ودام الوزير محمد على ذلك متجنبا لكل صعوبة مقتصرا على امتناعه من الرشا وبيع الوظائف في نفسه مشيرا بلطف إلى استقباحها لمن يريدها مداريا لسائر المتوظفين ، إلى أن أحس بالكلام بإرادة استعفائه بعد ولايته بستة أشهر فعرض بذلك للوالي متعللا بالعجز والمرض فأشار عليه الوالي بالتحمل والبقاء في الخطة إلى الوقت الذي يشير عليه الوالي بالإستعفاء فعمل بذلك.
وفي ربيع الأول من سنة ١٢٩٥ ه كثر الكلام في عود الوزير الأسبق مصطفى خزندار فكذبته الحكومة بنشرها في صحيفتها الرسمية فصلا طويلا في أن ذلك الكلام مما يشوش على السكان ويحير الأفكار وأنه بهتان والوالي لا يعمل به وأنه من الإفتراء والإرجاف ، وذلك في عدد ١١ من الرائد في ١٦ ربيع الأول سنة ١٢٩٥ ه ، وإنما ذكرنا ذلك ليتيقن أن نفرة الوالي للوزير المذكور لأعماله حقيقية لا كما قيل من أنها بسعي الوزير خير الدين ، حيث أنه في ذلك التاريخ بعيد عن الوالي وأشغاله ثم أن الوزير محمدا بقي منتظر الإشارة لاستعفائه كما بقي من جهة طالب المنصب وصاحب الولاية انتظار إعادته هو للإستعفاء أو التعريض به ، وبقي هكذا الحال كل شق ينتظر صاحبه مدة أشهر إلى أن أظهر الوالي كثرة الكلام في الرغبة في استعفاء الوزير وأحضر نيشان آل بيته الذي صار علامة ملازمة للوزارة الكبرى وفطن بذلك الوزير محمد فقدم للوالي معرضا بالإستعفاء على حذر حيث اعتمد الوصاية بأن الوالي هو الذي يشير عليه فقبل بالرحب والبشر وأوصاه بأن يكتب غدا مكتوب الإستعفاء ، فلما حضر الجميع إلى قصر المملكة من الغد أمر الوالي قبل أن يصل إليه مكتوب الإستعفاء الوزير محمدا بأن يستصحب معه الوزير مصطفى بن إسماعيل إلى محل الوزارة ويعلن لجميع المتوظفين بعد جمعهم بأن الوالي أولى مصطفى الوزارة الكبرى ورياسة الكومسيون بعد أن ألبس الوزير مصطفى نيشان البيت ، ولاطف الوالي الوزير محمدا وأمره بأن يعود إليه بعد ذلك الموكب مصاحبا للوزير الجديد فعمل بذلك على هيئة استغربت إذ لم يعهد مثلها ، وبعد ذلك كتبت مكاتيب الإستعفاء وقبوله ونشرت في الرائد وكان ذلك في شعبان سنة ١٢٩٥ ه ، فمدة وزارة محمد عام وشهر ولقب في ذلك الوقت بوزير الإستشارة وجعل له مرتب عمري وقدره ستون ألفا في السنة ، وأمره الوالي بأن يقدم إليه في كل أسبوع في يوم السبت مع جملة المتوظفين أو عندما تدعو حاجة لحضوره ، وجعل منزلة حضوره في موكب الوالي فوق منزلة الوزير الحالي بحيث لم ينزل عن مرتبته ،