الدين من خطة الوزارة ، ولهذا انتقل الكلام إلى أن الوصل هل للحكومة عمله أم لا؟ فتذاكر الجميع في منافعه ودفع الإعتراضات والمضرات الناشئة منه بما تقدم بيانه عند الكلام على وزارة خير الدين ، بل زاد بعضهم أن قال إنه إذا لم يصل تتحقق المضرة المالية للحكومة بأن ما يصل إلى المركز النهائي يقرب من الحدود مع عدم إنحصار جهة الخروج منها ، فتحمل النتائج على ظهور الحيوانات وتخرج إلى الجزائر من غير أداء لضرائب الحكومة إلى غير ذلك من المصالح ودفع المضار ، ومما عساه أن يقع من الإرتباكات السياسية عند الإمتناع عن الوصل ، ولما كنت أحد أعضاء ذلك المجلس وافقت على ما ذكر غير أني لاحظت شيئين.
أولهما : أن الوصل إلى الحدود يلزم منه تعيين الحد وهو واقع فيه خلاف وطال النزاع فيه مدة أحمد باشا وليس للحكومة أن تعين الحد وإنما ذلك يتوقف على إعلام الدولة العثمانية وهي التي تعين الحد.
وثانيهما : أن وصل الطريق ينشأ عنه كثرة القادمين من رعايا الجزائر لسهولة الإنتقال وقرب الوقت ورخص المصروف وذلك هو موجب رواج التجارة ، وأن الخلق من كل نوع فيهم المستقيم وغيره ، فإذا كثر الوارد من رعايا الفرنسيس وحصلت كثرة المخالطة استدعى ذلك كثرة الخصومات الطبيعية وليس لحكام تونس الحكم في نوازلهم ، بل النوازل ترفع إلى القناسل وأين هذا في قبائل العربان التي يمر بها الطريق بل وفي نفس البلدان ، ليس لأتباع الحكام وضع اليد على المطلوب فيفعل المتعدي ما يريد ويركب ويرجع إلى بلاده قبل أن يصل العلم إلى حاكمه ، فيجر ذلك إلى ضياع الحقوق سواء كانت للأهالي وهم الأكثر أو لغيرهم ويضطرون إلى إعمال وجوه يتوصلون بها إلى حقوقهم ربما أوقعت البلاد في ارتباك أو خروج الرعية عن حكمها ، ولا مندوحة عن هذا إلا باتحاد الحكم وقد كان السعي فيه من قبل ، ودولة فرنسا موافقة على أصله فلم يبق إلا إنجازه ، ولذلك لا تمكن الموافقة على وصل الطريق إلا بالوجهين المذكورين.
فقيل لي : أنّى لهاته المسألة التجارية من تعليقها بمسألة الحكم وهل ترضى باتحاد الحكم جميع الدول حتى تدخل فرنسا معهم إذ لا ترضى بذلك وحدها؟ فقلت : إن كانت نازلة الطريق متجرية بحتة فلا ضرورة لنا تحملنا على اقتحام المسألتين السياسيتين المشار إليهما إلا بعد التخلص منهما ومضرتهما تعدل وتفوق على المنافع المشار إليها أولا ، وإن كانت النازلة فيها شائبة سياسية ففرنسا تعيننا فيما يتعلق بها بجلب موافقة الدول على اتحاد الحكم وتبدأ بنفسها ، لأن الداعي معها وهو اتصال المملكتين وسهولة الوصلة بالطريق الحديدي على ما مر شرحه ، لا تشاركها فيها بقية الدول. فإذا رأوا جريان العمل بذلك مع جلبها لوفاقهم يغلب على الظن توافق الجميع ، وكانت هذه الملاحظات هي مبدأ رميتي بضدية قوم ومعاكسة آخرين وأغلب الأعضاء أنصفها ، وتكررت المذاكرات حسبما هو