تقدم في وزارة خير الدين وقدموهما للوالي والوزير ابن إسماعيل في موكب بإسم الإهداء من الأهالي ، وانظر ما هي الخصلة التي كانت سببا لذلك ، ثم في ربيع الأول من تلك السنة قدموا للوزير أيضا مثل ما تقدم سيفا مجوهرا ، ثم في شوال من تلك السنة قدموا له أيضا دواة مجوهرة بقلمها بإسم اليهود من الأهالي ، لكن الخصلة التي استحقت ذلك لم تعين ولا في واحدة من تلك الأشياء.
ومنها : أن أحد المهندسين الفرنساويين كان ادعى أنه مطالب للحكومة بمال مدة وزارة مصطفى خزندار وتؤملت مطالبه فلم تقبلها الحكومة ، وكذلك عند انتصاب الكومسيون المالي عرضت عليه تلك المطالب واستقر الأمر على عدم قبولها ، ومهما ادعى بها لم تقبل ولا وجدت قناسله مستندا لتدعيم دعواه ، ففي وزارة الوزير ابن إسماعيل قيل أن يجعل فيها تحكيم وعقد لذلك مجلس مختلط من التونسيين والفرنساويين ورئس عليه أولا أحد رؤساء الأحكام فلون الذي تقدم ذكره في نازلة دي صانس غير أنه لم يقبل ، كأنه علم غير ملائمتها لما هو عليه فقدم للرياسة غيره وصدر الحكم على الحكومة بأدائها للمذكور نحو ثلاثمائة ألف وخمسة وخمسين ألف فرنك.
ومنها : أن التاجر الصباغ الذي تقدم ذكره أيضا كانت له دعوى من نوع السابقة ولم تقبل لا من الحكومة ولا من الكومسيون المالي فكذلك الوزير ابن إسماعيل قبل فيها التحكيم ، وصدر الحكم بأداء الحكومة نحو أربعمائة ألف وخمسين ألف فرنك ، والحال أن الحكم كان صدر من الكومسيون المالي الذي هو مختلط من تونسيين وفرنساويين وطليانيين وإنكليزيين وفيه أحد كبراء الموظفين من دولة فرنسا وانتصابه باتفاق الدول المذكورة على التراضي به في جميع النوازل المالية ورد هو كلا من المطالب المار ذكرها ، واستمر العمل بذلك أزيد من عشرة سنين مع ما فيه الحكومة من العسر المالي كما تقدم شرحه.
وأضيف إليه استيهاب ما بقي على ملك الحكومة من مهم الأملاك للوزير أبي إسماعيل حتى تمم ما بقي مما يعتبر منها عندما تزايد له مولود ، بل حتى الأحباس التي أوقفتها الحكومة على المدرسة الصادقية أراد أن يأخذ منها أهمها هو وبعض من المقربين عنده بوجه الإنزال أي الكراء المؤبد ، وعند امتناع القاضي من ذلك جعلت الأوقاف المذكورة من أملاك الحكومة وخوطب بذلك رئيس الفتوى من المالكية فأنزلوها على يده ، فالعمال يشترون الوظائف والأهالي تتحمل أعمالهم والمالية والسياسة والشريعة على ما تقدم ذكره ، وآخر المنح التي بلغتنا أنها حصلت في هذا العهد أن وقع الإلتزام إلى دولة فرنسا بأن لا يحدث شيء جديد في القطر من الأعمال العامة النافعة إلا بعد عرضه على الفرنساويين ، فإن لم يوجد منهم من يريد عمله فإذ ذاك يسوغ أن يباشره غيرهم بحيث وقع التقيد في ذلك بإرادتهم ، وهذه خلاصة التاريخ في القطر التونسي إلى هذا العهد وهو مبدؤ سنة ١٢٩٨ ه.
تنبيه : قبل طبع هذا الجزء طرأ الحادث العظيم على القطر ، وسنفرده بذيل خاص في