القضيب ثم ينزع المفتاح ، ولكن لا زال هذا الشكل يتناقص ويجعل على النحو المتعارف في أغلب المدن في الأبواب وبسبب ذلك مع وجود الخراب في عدة جهات ، وعدم تبييض جميع الحيطان كل عام لم يكن منظر البلاد إجمالا جميلا لمن رأى المدن الجميلة ، والأقواس أغلبها نصف دائرة والسقوف البنائية لا بد فيها من شيء من الإنحداب ثم في المدة الأخيرة حدثت الأقواس والسقوف المبنية المبسوطة هذا.
وأما منازل المسافرين ففي حارة الإفرنج منازل مثل ما هو في أوروبا وقل أن يسكنها أحد المسلمين وإنما يسكنون في خانات وفنادق وسخة فيها بيوت لا فرش لها ولا مطابخ فيلقى المسافر العناء من ذلك إلا إذا تعود على السفر لبلاد المسلمين فإن الجميع فيها متماثل ، وكان السبب في هذا مع كثرة أسفار المسلمين هو خصلة دينية وهي أن الكرم والضيافة مندوب إليها فمهما دخل المسافر بلدا للمسلمين إلا كان حقا على إخوانه أن يستضيفوه فلم يكن من داع لإتقان محلات المسافرين إذ غايتها هو وضع الدواب والسلع التجارية وكان ذلك هو سبب عدم وجود لفظ مفرد عربي دال على نزل المسافر لما جبلت عليه العرب من الكرم والضيافة ، ولكن حيث تغيرت الطباع اليوم فينبغي الإعتناء بمثل تلك المنازل وما ذكر جار في سائر أنحاء القطر.
وعلى نحو ما تقدم في هيئة الحاضرة بقية المدن والقرى لكنها على حسبها في التمصير والغنى غير أن الطرق الصناعية لا توجد في غير الحاضرة ، نعم إن البلدان التي أحدثها الأندلسيون هي أنظم طرقات من غيرها إذ طرقاتها مستقيمة متسعة متقابلة بل بعضها يراعى فيها حتى تقابل أبواب الديار ، وفي غير المدن لا تجد البناء إلا من طبقة واحدة بل وهو الأغلب ، حتى في المدن وكثرة الخرابات في بعض البلدان سيما القرى ، وعدم تبييض وتجصيص الحيطان من خارج تجعل الرائي يحسب الجميع خرابا وكثيرا ما تكون ديار القرى غير مبلطة وإنما تمهد بالطين والجير المسوى.
وأما البطروى فمساكنهم خيام من شعر المعز والإبل تنسجها الأهالي وتارة تجلب من طرابلس ، وللأغنياء خيام من ذلك النوع في غاية الإتساع والإرتفاع بحيث يقدر أن يدخلها الراكب على فرسه ويقسم البيت لأقسام بأردية وستارات ، قسم للنوم ، وآخر للمؤنة ، وآخر لأولادهم ، وآخر لأولاد بعض حيواناتهم ، وأهل الغنى يجعل لكل نوع من ذلك بيوتا خاصة كما أن للضيوف وجلوس صاحب المكان بيتا خاصا ، ويفرشون بيوتهم بنحو ما يفرشه أهالي الحاضرة الأعيان من المرايات والساعات والتحف الخزفية والمفروشات الحريرية والأسرة المذهبة والفوانيس والشموع إلى غير ذلك من أنواع الحضارات ، لكن العموم يفرشون في أرض البيت حصيرا وفراشهم أردية من الصوف مثل ما يلبسونها ووسادات وغطاء ، وبيات الرجل وزوجته وأولاده كلهم في فراش واحد ويطبخون في فم البيت أو أمامه وكثير منهم من لا ينور في الليل إلا بما يوقد من الحطب وبعض القبائل يسكن في خصوص أو بناء شبهها.