نعيم عن أبي سعيد الخدري رضياللهعنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «سافروا تصحوا وتغنموا» (١) فأرشد الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى أن في السفر ثمرتين راجعتين إلى الجسم زيادة على ما تقدّم من الثمرات الروحية ، الأولى : هي الصحة لما يشتمل عليه السفر من الرياضات البدنية ، إذ لا يخلو غالبا عن مشقة ولهذا رخص فيه من الرخص ما هو معلوم في الفروع بقطع النظر عن العلة الباعثة عليه كما هو المذهب الحنفي وإتعاب البدن يثمر صحته ، وأيضا لإستنشاق المسافر الهواء السليم الذي هو أنفع للجسم من الأكل والشرب لأن الإنسان لا غنى له عن التنفس في كل لحظة بخلاف الأكل والشرب لإمكان الصبر عليهما مدّة ما.
وبيان وجه احتياج الإنسان إلى الهواء في كل لحظة للتنفس هو :
«أن الله قدّر بحكمته تركب الجسم الإنساني على أبدع وجه ، وجعل سبب قوامه هو الدم المصفى من الغذاء ، فبعد هضم الغذاء في المعدة يمتص صفوه في قناتين توصلانه إلى القلب بعد اجتماعهما في قناة واحدة وهو إذ ذاك في لون البياض وقبيل الوصول إلى القلب يصب ذلك في قناة دم الدورة الراجع إلى القلب أيضا ، وللقلب شكل صنوبري منقسم داخله إلى قسمين يمين وشمال وكل منهما منقسم إلى قسم علوي وقسم سفلي وبينهما حاجز فيه منفذ يوصل بينهما له غطاء ينفتح وينطبق ، فالقناة المتقدّمة تصب في الطبقة العليا من القسم الأيسر ، ومن هناك ينفتح له الغطاء فيصب نقطة في الطبقة السفلى ثم ينقبض الغطاء بسرعة ثم نقطة أخرى وهكذا ، وكلما انطبق الغطاء ضربت جميع الأنباض التي في البدن ، فحركتها تابعة لحركة الغطاء قوّة وضعفا سرعة وبطئا ، ثم يخرج الدم من القسم الأيسر السفلي في عرق عظيم هو مجتمع عروق الأنباض فيصعد إلى أعلا ثم يتفرّع منه فروع وهاتيك الفروع تتفرع منها فروع أخر أقل منها حجما وهكذا إلى أن يعم جميع أجزاء البدن وهي عروق الأنباض ، وكلما انتهى نبض إلى حدّه يتلقى الدم منه عرق من عروق الشرايين التي لا تتحرّك ، وهاته وظيفتها إرجاع الدم إلى القلب فتكون عند اتصالها بالأنباض صغيرة الحجم ، ثم لا تزال تجتمع فتعظم إلى أن تصير عرقا واحدا فيصب في القسم الأيمن من القلب الذي هو مقسوم أيضا مثل الأيسر وحركته مثل حركته غير أن الدم يخرج من الطبقة السفلى منه في عرقين يوصلانه إلى الرئة ، ولا يخفى أنه أي الدم إذ ذاك قد دار في جميع البدن ونقص من أصل كميته بما ترشحه العروق إلى اللحم والعظم وقد تغيرت عناصره فقل منه الأكسوجين وزاد فيه الحامض الفحمي حتى بتغير لونه فيصير مسودا بعد أن كان أحمر ، فلو بقي على حالته لضرّ بقاؤه في البدن.
__________________
(١) الحديث : في السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ١٠٢ وفي مجمع الزوائد للهيثمي. ٣ / ٢١٠ و ٥ / ٣٢٤ وفي إتحاف السادة المتقين للزبيدي ١ / ٣٢٢ و ٧ / ٤١٠ وفي المسند للإمام أحمد بن حنبل ٢ / ٣٨٠ وفي كشف الخفاء للعجلوني ١ / ٥٣٩.