وخمسة وسبعين نفسا ، ثم استقلوا في أحكامهم وملكهم.
وفي أواخر هذا القرن أعني منذ نحو عشرين سنة استولى ملكهم رجل عاقل من عائلة الملك ، وشمر عن ساعد الجد في إحداث عصر جديد للمملكة حتى خرجت عن أن تشبه الممالك الشرقية ، وصارت كأنها دولة ومملكة أوروباوية غربية من أعظم الممالك ذات السطوة والشأن والتمدن والتقدم والمعارف والصنائع ، وذلك أنه تولى ملكهم المسمى «الميكادو» وكان حدث السن ذا أخلاق حسنة وتربية صالحة ، وكان معجبا بأحوال الأوروباويين القادمين إلى دولته للسياحة والتجارة ، وكان سمع من أحوال أوروبا وتقدمها ما هو معروف ورأى من تقهقر مملكته وما جاورها ما أوجب له العزم على تغيير حالتها ، ولكنه خشي من تمسك قومه بالعادات القديمة التي يحافظون عليها كأهالي الصين ، لكنه استعان بالخلة المخصوصة بها أمّته وهو إعجابهم بالحوادث الجديدة ، فابتدأ بتغيير زي المتوظفين ورؤوساء الدولة وجعله على النحو الأوروباوي ، وبقي هو في ذاته على الزي القديم مختبرا لأفكار القوم بذلك ، فلم ير منهم إلا الإسراع والإستحسان لما أمر به فلم يلبث أن غير زيه في نفسه.
وأرسل سفراء إلى أوروبا لاستقراء ما فيها من أصول المنافع والصنائع وآلات الحرب وحركاته ، وجلب المبادىء المحتاج إليها في مملكته من علماء وآلات وغير ذلك. ثم ألزم أمّته بإعطاء الحرية العمومية حيث كانوا تحت حكم الأشراف ، بمعنى أن كل عائلة شريفة تملك قسما من الأراضي بمن فيها من الناس يكونون تحت عبوديتهم وامتثال أوامرهم ، فأبطل هاته العادات وانتخب من قوانين ممالك أوروبا ما صلح في نظره وصلحه على مقتضيات عادات بلاده وأمر بالعمل به.
كما ألزم العمل بالطريقة العسكرية في حركات الحرب المعمول بها في أوروبا ، وألزم كل ذكر يبلغ سن العشرين بالإنتظام في سلك العسكرية للدفاع عن الوطن على قانون معروف ، وفتح المكاتب والمدارس في العلوم الرياضية وغيرها ، وكثر منها التكثير اللازم. وألزم الأهالي بعقد الشركات للبريد وأنواع التجارة والفلاحة ، وفتح الطرق الحديدية واستخراج المعادن ، وزيادة عما جلبه من السلاح الأوروباوي من الطراز الجديد ، أحدث معامل في مملكته وأنشأ السفن حتى كانت عنده إحدى عشرة مدرعة ، وبالجملة : فإن انقياد الأمّة الجابونية إلى هذا الملك وتقدم هاته المملكة في أسرع وقت من عجائب هذا القرن التي تخلد في التواريخ ، وستأتي قوّتها الحربية والمالية في جدول الدول.
وعلى ما تقدم فتعتبر كإحدى الدول الأوروباوية الأول المتقدمة ، وفيها من الثروة والتمدّن والغناء ما في ممالك أوروبا وما في مملكة الصين ، وقاعدة هاته المملكة مدينة «جدو» في جزيرة نيغون التي بها جبال بلكان كثيرة ولأجلها يكثر فيها الزلزال ، ومعادنها غنية وأصل ديانتهم كديانة أهل الصين.