طريق مناسب وينقل بها الأشياء من مكان إلى آخر وإن بعد مع تدبير لحفظ الجسم من خرق الهواء في السرعة المحرقة ، وقد رأيت سنة ١٢٩٨ ه ١٨٨١ م سير رتل صغير للتجربة بالكهربا على وجه آخر كما ذكرنا في أحوال إيطاليا ، ورأيت في باريس أيضا مساسك مصورة بأشكال حيوانات تتحرك أعضاؤها وعيونها بالكهربا مع صغر جرمها حتى يوضع المساك من الذهب في رأس المرأة والآلة الكهربائية تخفى في الشعر ويرى الحيوان متحركا ، ومنه صورة فراش بألوانه البديعة من أحجار الزمرد والياقوت الأحمر والأبيض وغير ذلك من الأحجار الكريمة المطابقة لألوان أجنحة الفراش وهو يخفق بأجنحته الأربع فوق الرأس بالكهربا وهو غريب بديع جدا.
مطلب في هيئة المساكن والطرقات
قد تقدم في إيطاليا الهيئة العامة في المساكن وهاتيك الهيئة بنفسها هي التي عليها العمل في فرنسا ، غير أن باريس وحدها تزيد رونقا بما احتوت عليه من كثرة الطرقات المتسعة جدا وبكثرة التنظيف والتنوير في الليل ، كما أنها تختص بأن بعض طرقها مستعوض عن تبليطه أو تحصيبه بطليه بنوع صمغي يسمى اسفالت ، بحيث يكون بعد الجفاف رخوا فإذا مرت عليه العجلات لا تسمع لها إلا همسا وتسمع قرع حوافر الخيل على الأرض كالتصفيق المغطوط من مزيد الهدو للركاب حتى كأن العجلة لا تتحرك ، فتلك الطرق مروحة جدا غير أنها لم تعمم لأنها في الصيف تفشو منها رائحة كريهة ولأنها في الطرق الكثيرة المرور تعطب فيها العجلات المارة بسبب عدم سماع حركتها وإمكان الغفلة من العجلتية هذا ، وأما عموم البلاد والقرى فإن لكل منها مجلسا بلديا دأبه التحسين والتنوير في الليل بالبخار الغازي أو زيت النفط وهو قليل الاستعمال أو بالكهربا وهي أيضا لم يزل التنوير بها قليلا ، ولكنك لا تجد قرية غير منورة الطرق أو غير مصنوعتها على حسب اقتدار الأهالي فضلا عن المدن والأمصار وكل طريق مسمى باسم مكتوب على مبدئه وعلى كل باب عدد خاص ، ثم إن طرق الحديد يوجد منها كثير حتى صارت فرنسا مرتبطة جميع الأطراف والأواسط ببعضها ، وعلى حافتي الطريق أخشاب شاخصة مربوط بها أسلاك حديدية علامة على حرم الطريق لكي لا يجتازه الناس ولا حيواناتهم ، ولا زالوا مجتهدين في تكثير هاته الطرق الحديدية ، ثم إن مساكن الجهات الشمالية أحكم استعدادا للبرد من الجهات الجنوبية وإن كان لهاته أيضا نصيب وافر منها بحيث لا تجد بيتا في الجميع بدون موقد إما للحطب أو للفحم المعدني أو البخار الغازي بل وبعضهم يطبخون بهذا البخار ، وقد مر أن في باريس اخترعوا التدفئة للديار من مركز عام في البلد ، ثم إن سائر الديار لا يبلط منها بالرخام أو غيره من الأحجار إلا الدرج والمجازات الخارجة ، وأما بقية البيوت والمقاصير فإنها مبلطة بالخشب المتين وتحسينه وزخرفته تبع لحالة الدار ، وكل الطواقي التي هي مثل الأبواب في الإرتفاع والإنتهاء إلى الأرض لها أبواب من خشب منجور ولها