ممنوع ولم نر منه شيئا في المرة الأولى ، لكن الدعوى بمزيد الحرية التي تتبع الجمهورية أورثت ذلك الإهمال المفضي إلى التهور والخروج عن الإعتدال ، كيف لا وأحد أحزاب الجمهورية يطلب المصير لما عليه الحيوانات العجم من الإشتراك ، وقد ذكر لي أنه كان وقع مثل ذلك الحزب في إحدى مدن أوروبا العظيمة وثار على الحكومة واقتحم منازل الناس ، وكان في تلك البلاد أحد الأغنياء المشهور بالثروة حاذقا فطنا فأخذ عدة أكياس بالسكة الفضة وجلس عند باب داره وكلما مر عليه إنسان أعطاه فرنكا ، فجاءه جمع من الثائرين فقال لهم : إني منكم وقد حسبت مالي فإذا هو كذا كذا مليونا ، وأهل المملكة مساوون إلى هذا العدد فيصح لكل واحد فرنكا ، فكل من أتى أعطيته حصته ولا يسوغ أن أعطي لأحد مناب غيره ، فلم يسعهم إلا الرضا وتخلص من نهب أمواله وتشتيتها ومن قتله ببعض آلاف فرنك دفعها لأولئك الثائرين إلى أن قهرتهم الحكومة واضمحل أمرهم ، ومن تفاخر الأهالي إتقان الأغنياء للكراريس وبعضهم يجر كروسته أربعة أو ثمانية من الخيل بسائق واحد وبعضهم يكون هو السائق بنفسه ، وتجد بعض هاته الكراريس تركب إثني عشر راكبا فأربعة داخلها مثل المعتاد وأربعة على سطحها على كراسي لازمة كل إثنين على كرسي مثل الأسفل غير أن ظهورهم لبعضهم ، وإثنان على كرسي السائق وإثنان على كرسي الخدمة من وراء ، وفي قعر الكروسة محل لرفع ما خف من المأكول واللوازم ، فيركب صاحب الكروسة مع خواص عائلته وأحبابه وما يلزمهم لتنزه يوم ويذهبون لأحد المنتزهات خارج البلاد ، ومن عاداتهم أيضا أنهم يتأنقون في ظرافة اللبس والأثاث والبناء وتنظيمه وترتيبه وينشئون المنتزهات وأماكن الإرتياح ليشترك في فائدتها الحقير والعظيم ، وإن كان لكل جهة كالقهاوي فما كان منها للعظماء زاد في سعر ما يعطيه وأتقن آلاته حتى لا يزاحم الفقير الغني لكثرة المصرف من غير تحجير حكمي ، بحيث يصح أن يقال أن الملاذ والنزهة عند الفرنساويين ينال منها الحقير حظه وهي مشهورة يعرفها الوافد بأدنى سهولة مع كثرتها أو تهيئها إلى قبول كل أحد.
مطلب في التجارة
إعلم أن تجارة فرنسا لها الرتبة الأولى في سائر أقسام المسكونة ولهم براعة تامة في إدارة الأشغال ، ولكن الأصول في ذلك هي ما قررناه في إيطاليا غير أنها هي في فرنسا أقوى وأروج وتسبب عنها كثرة الثروة والغنى المفرط ، حتى صارت شركات تجارتهم لا يخلو عنها إقليم من العالم وبواخر بريدهم تخترق سائر البحور ودونك أنموذجا على ما لفرنسا من الغنى ، فإن دولتها عدلت المسكوكات الرائجة فيها سنة ١٢٩٨ ه ١٨٨١ م فكانت كما ترى :