بغير ما ذكر من الأنواع لأن القسوس يقولون لهم إن شمع الشحم أو الغاز من البدع التي لا يتقرب بها ، وكذلك يطلبون البخت وقضاء الحاجات من جمادات أو أماكن اعتقاد حلول أرواح فيها وقد ذكر من هذا النوع في كشف المخبا عن فنون أوروبا ما يتعجب منه المسامع ، مما ترى الأروباويين ومن تشكل بشكلهم وتباهى بتقليدهم يحملون عبئه على البلاد الإسلامية وحدها ويجعلونها سخرية وينزهون أوروبا عن مثلها ، مع أنها حاوية لشبهها ولأشد منها بل ربما أسند ذلك الجاهل أو المتجاهل إلى ديانتنا الشريفة وحاشا لله أن تؤدي أو ترشد لمثل ذلك ، بل أنها هي المهذبة والمنقذة من غياهب الجهل إلى نور المعارف الحاثة على العلم وفتح البصائر ، وقد أفردنا لهذا تأليفا خاصا ، واعلم أنا لا نقصد من ذكر ما مر نسبة الجهل بالمعارف الدنياوية إلى عموم الفرنساويين أو ترجيح كفتنا على كفتهم كلا ، بل الحق أن الناس على ثلاثة طبقات فأهل الرفعة وأشراف القوم من ذوي البيوت العالية بالتوارث في الوظائف أو كثرة المال والترف تجد أغلبهم مقتصرين على معرفة مبادىء العلوم ومحبين إلى إنفاذ الأغراض ، وزيادة علو الصيت ، والرعاع من أهالي الجبال والقرى والبوادي أغلبهم أيضا جهلاء ولا فكر لهم إلا فيما ينفع كل فرد في خويصة نفسه ، والطبقة الوسطى هي مجال التمدن والمعارف والصنائع والتقدم وهم أيضا أصحاب الترجيح السياسي في فرنسا ، وهاته الطبقة هي المتقدمة بالنسبة لمشابهتها فينا فهي فيهم أرجح ميزانا وأهلها كثيرون بالنسبة لأهلها عندنا ، وبالنسبة إلى نفس أهاليهم أيضا فترى عدد أهل المعارف يزداد ويترقى يوميا ، وأهل هاته الطبقة عندنا مشاكلون في الصفات لأهل الطبقتين الآخرتين كما أن أهل الطبقة العليا عندهم أوسع تبصرا ومعرفة منها عندنا.
وأما بقية عوائد الأهالي فهي على نحو من عوائد الطليانيين في السلام والحياء والسماع والرماية والفروسية وغير ذلك ، وقد كانت فيهم تربية حسنة من التواضع بينهم ولين القول ، لكن منذ رسخت الحكومة الجمهورية تظاهر فيهم التهور شيئا فشيئا حتى أني أدركت ذلك ما بين سنة ١٢٩٢ ه وسنة ١٢٩٥ ه ، فقد رأيت من أخلاق الطبقة السفلى من الناس كالكرارسية والحمالين والسائلين ما لم نعرفه منهم في السنة السابقة ، وفلت السائلين مع أنهم يمنعون السؤال للفقراء لوجود أماكن المرحمة للعاجزين ، ومن يباح له السؤال تجعل له علامة تؤذن بإباحته ولا يكون إلا ناقص عضو أو حاسة ، وغيرهم يتحيلون على السؤال بعزف آلة طرب أو إهداء باقة زهر أو نحو ذلك من غير إلحاف في السؤال ، حتى إذا رأت الضابطية واحدا ملحا منعته أو سجنته ، وفي السنة الثانية رأيت تغاضي الضابطية عن ذلك وعن سوء معاملة الكرارسية للركاب حتى يكون بعضهم سكرانا ويتكلم الكلام الفاحش ولا يتعرض له أحد ، كما رأيت في هاته السنة عدة مواطن للتشاكم والتلاكم وبعضها وقع فيه الضرب بالحديد ومات فيه المضروب ، وفي بعض الأوقات يركض الكرارسي ركضا زائدا يمكن أن ينشأ منه الضرر بالمارة وكل هاته الأشياء