الفصل الرابع : في بعض صفات الأهالي وعوائدهم
أغلب عوائد الأهالي وصفتهم في الجزائر هي مثل ما في أهالي تونس في السلام والحياء غير أن الجيل الجديد في المدن تخلق أغلبه بأخلاق مخضرمة بين العادات الأصلية وبين عوائد الفرنساويين ، ومن المعلوم أن النفوس مائلة إلى التشبه بالغالب غير أنها أول ما تسري إليها الأخلاق الشريرة ، أما المحامد فإنها إنما يحمل عليها العقل بالكلفة ولهذا فشت قلة الحياء في كثير حتى سرى ذلك إلى أبناء الفرنسيس الذين نشأوا هناك وقد صاحبني في الفابور من الجزائر إلى عنابه امرأة حاكم بلاد قالة مصاحبة لأبنائها الصغار وهم ثلاثة دون البلوغ كانوا يتعلمون الفنون في مكتب بلاد الجزائر ، ولما أرست الباخرة على مرسى جيجلي صعد إليها نائب لجنة تلك البواخر متفقدا وكان حضر إذ ذاك وقت الفطور فجلس مع الركاب على المائدة وكان من جملة الحاضرين الأبناء المذكورون وبعد الأكل أتي بالقهوة ومن عادة الإفرنج الإتيان بقنينة فيها نوع من المشروبات الروحية المسمى بالكنياك ومعه كيسان صغار لمن يريد الشرب من ذلك مع القهوة ، فأخذ منه من أخذ وامتنع من امتنع فعمد أولئك الصبية إلى المشروب وأخذ كل منهم كأسا ووضعه أمامه فتبسم كبار الحاضرين متعجبين من ذلك وأمهم فار عليها العرق من الحياء ولم تكلمهم بشيء ، وبعد هنيهة أخذني نائب اللجنة إلى ناحية منفردة وقال لي : أرأيت ما وقع؟ قلت : ما هو؟ فقال : لا تهزأ معي لو كان أولئك أبنائي لألقيتهم في البحر ، فقلت : لماذا وهو عندكم ليس بممنوع؟ قال : كلا فإنه وإن كان الخمر عندنا مباحا لكن إنما هو ما يؤخذ منه مع الأكل من نوع ماء العنب بمقدار لا يفعل نشوة أما هذا فإنه لا يستعمل إلا بعد الأكل لمجرد النشوة والصغار يمنعون من ذلك بمقتضى التربية الحسنة ، ولكن نحن قد خرجنا عن طورنا وفسدت أخلاقنا وأفسدنا أخلاق غيرنا فهؤلاء أبناء أحد حكام البلاد على هذا النحو فما بالك بغيرهم الخ.
وكان منشأ هذا الفساد هو أن الحرية في الفرنسيس قد فطروا عليها بقسميها أعني الحرية الشخصية والحرية السياسية لكنهم تحملهم في بلادهم الحرية السياسية على التخلق بمحامد الأخلاق على قدر مستطاعهم وإدراكهم ، وأما في الجزائر فقد حرموا في أنفسهم من الحرية السياسية وكذلك الأهالي أطلقوا لهم الحرية الشخصية وحرموهم من الأخرى ، فانبعثت القوات كلها إلى الأولى مع ملائمة الطبائع النفسانية فأتوا على كل ما يمكنهم التوصل إليه من الفسوق وقبائح الكلام والتزوج بين كل متراضيين من غير نظر لديانة ولا صحة شرعية ، بل يقع حتى لبنات مسلمات الفرار من آبائهن إلى رجال من الافرنج أو غيرهم ويصاحبنهم بدون زواج أو به ولا مانع عندهم من ذلك ، وأضف إلى ما تقدم من السبب أن الحكام لما كانوا من العساكر مستبدين فتراهم يشتمون بالكلام الفاحش وكأنه هو أوّل ما يتعلمونه بالصدفة من لغة الأهالي ، ثم أن السيرة العسكرية الإستبدادية معلومة في أن