باختيار أرض تشبه أرض العرب فاختاروا الكوفة ، فأمرهم ببناء بلد بها وأن تكون دورها لا تتجاوز الطبقتين وأن تكون طرقها العامة كل منها ثلاثة عشر ذراعا والطرق الخاصة سبعة أذرع عرضا والبطحاء التي تكون أمام المسجد ستون ذراعا في ستين وهذا هو الأصل الذي يستند إليه المذهب الحنفي في ذلك ، فانظر كيف كانت حالة البلدان في صدر الإسلام. ويؤيد هذا أن بئرحا التي هي بستان كان لأبي طلحة الأنصاري (١) رضياللهعنه قد كان في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم تجاه المسجد النبوي كما هو مذكور في صحيح البخاري رضياللهعنه ، فأين هو الآن من المسجد النبوي إذ بينهما الآن أبنية وديار وطرقات وأسوار وغير ذلك فيا أسفا على وقوع مثل هذا التغيير المخالف للشريعة المكدر للتمدن ومصالح الناس حقيقة ، فليس توسيع الطرق وتنظيفها من تقليد الإفرنج كما يدّعيه الجهلاء بل هو من شريعتنا التي تنوسي الإلتفات لمثل ذلك فيها ، وحيث كانت الطرق على نحو ما مر ذكره يكثر فيها الوحل زمن المطر غير أنها تنور ليلا من قبل الحكومة بفوانيس من القصدير والزجاج تعلق في الحيطان أو سقوف الأسواق ، لأن كل صناعة لها سوق يخصها وبعض هاته الأسواق بل أكثرها مسقوف بالألواح على نحو ما ذكرنا في أسواق تونس والحوانيت هيئتها أيضا على ذلك النحو ، وليس للديار جناين ولا بطحاآت خاصة وإنما أبوابها في الطريق تفتح إلى سقائفها المختلفة كبرا وصغرا ، وأما الطرقات خارج البلدان فهي على طبيعتها الأصلية وأغلب الطرق بين مكة والمدينة صالحة لمشي العجلات وتمر فيها المدافع الآن وهي مثل العجلات وكذلك الطريق بين جدة ومكة ، فيا ليت شعري أي مانع لاستعمال العجلات في السفر هناك فإني لم أر إلّا عجلة واحدة لوالي الحجاز بمكة ، وقالوا إنه ليس بها غيرها ورأيت بالمدينة عجلة قيل إنها لركوب بعض المرضى هي أشبه شيء بعجلات حمل السلع ملقاة في الطريق وكأن أمر الأمن هو الأساس.
مطلب في اللبس وبقيّة العادات
أما اللبس الرسمي فهو كاللبس بالدولة العثمانيّة الذي تقدم مثله في مصر وكذلك لبس الرجال هو مثل لبس أهل مصر والأعيان يلبسون جبة واسعة الأكمام كعلماء مصر إلّا أنها لها رقبة مرتفعة خصوصا للسادة الأشراف ويجعلون على رؤوسهم كوفيّة مطرزة بالحرير على أشكال حسنة بديعة تكون مكشوفة الوسط وعليها عمامة مكورة عظيمة يشدونها شدّا محكما جميلا وهي بيضاء. وأما الأشراف في القبائل فيجعلون على رؤسهم منديلا من الحرير ملوّنا وعليه عوض العمامة عقال من وبر الإبل مقصب بخيوط الفضة المذهبة ، ولكل واحد منهم مطلقا في البلدان أو
__________________
(١) هو زيد بن سهل بن الأسود النجاري الأنصاري (٣٦ ق ه ـ ٣٤ ه) صحابي. مولده بالمدينة. شهد العقبة وبدرا وأحدا وسائر المشاهد. توفي بالمدينة. الأعلام ٣ / ٥٨ طبقات ابن سعد ٣ / ٦٤ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٦ / ٤ وصفة الصفوة ١ / ١٩٠.