أما الفرش والأثاث : فهو على نحو ما تقدم في الممالك السابقة من أوروبا ، ومواقد الإنكليز في البيوت أتقن من غيرهم وتلزمهم نفقة تضاهي نفقات المعيشة لشدة البرد وطول مدته ، ولما رأيت أن بلدانهم كادت أن تكون كلها من الآجر زال تعجبي مما رأيته من كثرة معامله في الطريق.
أما الطرق : في إنكلاتيره فهي دون غيرها من ممالك أوروبا المتقدمة في الذكر من جهة النظافة والإعتناء بتنظيمها ، حتى إني رأيت في ذات لندره طريقا لا يسع إلا عجلة واحدة لا تكاد العجلة تتحرك فيه من كثرة ما فيه من الوحل والطين مع كونه كثير المرور فيه ، وهكذا سائر الطرقات كثيرة الوحل قليلة النظافة سيما وقت نزول المطر الذي لا يكاد ينقطع ، ولهذا شرعوا في عمل تبليط الطرق بقطع الخشب لأنها أنظف.
وأما تنوير الطرق : فهو على نحو ما في سائر أوروبا ، لكن القرى الصغيرة في بلاد الإنكليز هي أسوأ حالا من غيرها إذ كثير منها لا تجد فيه حانوتا لبيع شيء إلا ما ندر من بيع ما لا يسد من عوز ، وكفى بما ذكره الشيخ أحمد فارس في صفتهم في هذا الصدد ، حتى يكادوا يلحقوا بالوحشيين ، نعم أن طرق الحديد والترع والسفن هي هنا أكثر وأمتن من غيرها ، ومن الأبنية المعتنى بها السجن فهو عندهم بل وعند سائر أوروبا مقسم على أنواع على حسب الجنايات وحسب الإيقاف والحكم ، فمحل الإيقاف للمتهم حتى يثبت عليه الحكم أشبه بمنزه منه بسجن ، ثم يتدرج الأمر إلى الجنايات الشديدة فيحبس الجاني في بيت منفرد يدخل له الضوء من أعلى ويتجدد به الهواء ويعطي شغلا عمليا وفراشا نظيفا يدفع الحر والبرد وأكلا سليما من طعام واحد ، ويخرج في وقت معلوم للتمشي في البستان الذي حول السجن لكنه يمنع من الكلام مع غيره مطلقا فإن خالف الأوامر سجن في محل مظلم بطال ، وإذا مرض عولج بالطبيب والدواء فسجونهم سجن لا مقتل.
مطلب في اللبس في إنكلاتيره
لبس الإنكليز مثل لبس الفرنسيس بل والشابات المترفات عيال في التقليد على الفرنساويات وهم يؤثرون مصنوعات الفرنساويين عن مصنوعاتهم في اللبس ، ولبس العساكر أحسن من لبس عساكر غيرهم نظافة وشكلا وإن كان على نحو واحد ، ولما كانت الأبخرة والدخان والضباب في إنكلاتيره يتكاثر جدّا كانت الثياب البيض كالقمصان تحتاج إلى التغيير بكثرة تخفظا على النظافة ، فاحتاجوا إلى جعل رقبة القميص ورؤس يديه وصدره مفصولة عن القميص وتمسك به بواسطة زرر حتى لا يلزم تغيير جميع القميص لمجرد وسخ ما يظهر منه عدّة مرار في اليوم ، وهذا وإن كان موجودا في سائر أوروبا على السواء عند أواسط الناس لكن الذي خصت به إنكلاتيره هو جعل تلك القطع من ورق ثخين أبيض ، حيث وجدوا ثمنه وإن كان لا يصلح لأزيد من لبسة واحدة أرفق من ثمن الكتان مع دوامه لما يحتاج إليه من كثرة غسل الصابون والنشاء والتمليس بالحديد المحمى.