البخت ، والآن صار يأتيه في كل أسبوع نحو ذلك القدر مثلا وتأتيه الأخبار كما تأتي غيره فيبيع صوفه بربح عشرة في المائة فقط في شهر ، ثم الشهر الذي بعده كذلك وهكذا ، فعوضا عن كونه كان يدير رأس ماله مرة في السنة ويربح فيه عشرين في المائة صار يديره إثنتي عشرة مرة يربح فيها أزيد من الضعف ، فبالنظر إلى كمية الربح كل مرة تجد الأرباح القديمة أوفر لكن في الحقيقة الناتج في السنة من الأرباح الحالية أكثر ، ولا يظن أن ما قلنا مبالغة بدعوى أن كمية المحتاج إليه من الصوف مثلا في القطر المجلوبة إليه لم تزدد فما يأتي زائدا لا يباع.
وبيان فساد ذلك أن الإدارات والحركات كلها مرتبط بعضها ببعض فكما سهلت المواصلة سهلت آلات النسج بالمعامل البخارية ، والبلد التي كانت تنسج ألف قنطار صوفا في الشهر بآلات اليد صارت تنسج أضعاف أضعافها بآلات البخار ، وتلك المنسوجات تنفق مهما ازدادت بانحطاط أسعارها فيكثر راغبها ، فمن لم يكن قديما قادرا على لبس الملف وهو الجوخ لغلوه صار الآن يتوصل إليه لرخصه برخص ثمن الصوف ، بما نقص من أجرة حملها وقلة ربح تجارها وبرخص آلات النسج وبقناعة البائع بالربح اليسير وهكذا ، وكذلك كثرت سكان الممالك المتمدنة وكثر المتمدنون وكثر اتساع التجارة وإيصال البضائع إلى الأقطار الشاسعة التي لم تكن تصل إليها من قبل ، فارتبطت الأشياء بعضها ببعض واتسعت التجارة وازدادت الأرباح على نحو ما ذكرناه ، وأضف إلى ذلك أن المنسوجات بالمعامل ليست متينة مثل عمل الأيدي فصار أغلبها يبلى ويتمزق بسرعة بالنسبة للمنسوجات المصنوعة باليد ، ثم أن تجارة إيطاليا أغلبها بيد أهاليها وفيهم كثير من الأجانب وقد كانت سابقا تجارتها أغنى مما رجعت إليه ثم انحطت بتقدم الممالك المجاورة لها وتأخرها عند انقسامها وظلم ولاتها لكنها الآن تراجعت للغنى ، وأغلب ما يخرج منها الحرير الغير المصنوع والدقيق وأنواع العجين المصنوع والحبوب والحيوانات المأكولة والجلود وزيت الزيتون والكبريت وهي كما سبق لها انفراد به ، وقد خرج منه في عام واحد مائتان إثنان ألفا وخمسون ألفا «تونولاته أي قنطار» ٠٠٠ ، ٠٠٠ ، ٥ ، وكذلك يخرج منها المرمر والرخام الأبيض والكتان والحشيشة المعروفة بالتكروري والمنسوجات الحريرية والأعطار والتبن المصنوع منه كراسي وغيرها ، والحجر مثل الحجر المعروف بحجر سيسيليا الذي هو لبين خفيف وبعض المعادن المشار إليها في التعريف بإيطاليا ، وقيمة تجارتها في سنة واحدة وهي سنة ١٨٧٦ ملياردان وستمائة ألف فرنك والمليارد ألف مليون ، وهاته التجارة مع جميع الممالك المعروفة لكن أكثرها مع النمسا وفرنسا ثم بقية الممالك ، ويخص من ذلك الزيت وحده ثلاثمائة وخمسون مليونا.
مطلب : في الصنائع الفلاحية في إيطاليا
إعلم أن هاته الصناعة لها ترق كبير لحسن الموقع واعتدال الهواء ومع ذلك لم تبلغ إلى درجة النهاية نعم هي في الجهة الشمالية مناكبة لما جاورها من فرنسا وغيرها ،