أفراد من العربان والفلاحين في جهات قليلة ، وبينما الأمر على ذلك وإذا بالدولة العثمانية نشرت إعلانا حسب طلب إنكلاتيره بأن عرابي وكل من انحاز إلى حزبه عصاة فلم يمض على ذلك بضع أيام إلا وقد انحلت عرى التعصب المصري ودخلت العساكر الإنكليزية إلى القاهرة راكبة في الرتل بدون أدنى حرب ولا معارضة ، مع أن الجيش المصري ومن انضم إليه من العربان وغيرهم المتجاوزون المائة ألف والخمسين ألف محارب بأتم قوات الإستعداد فتفرقوا جميعا أيدي سبا في بضع ساعات ، وسلم عرابي نفسه أسيرا إلى الإنكليز فرجع الخديوي إلى مصر وأقيم وكيل مدافع إنكليزي عن رؤساء العساكر المصرية وآل الآمر حسب إرادة انكلاتيره أن حكم بعقاب عرابي ، لكن الخديوي عفا عنه لأنه لم يفعل شيئا إلا عن وفاق من يتبع وأبقى له مرتبا للقيام بنفسه ونفى هو وكبراء الرؤساء إلى جزيرة سيلان في الهند ، وذاك هو التعليل الباطني مع أن حزبا عظيما من الإنكليز يرون أن جناية أولئك العساكر سياسية لا توجب القتل فلذلك حكم عليهم المجلس الحربي بالقتل لكن الخديوي عفا عنهم وأبدل القتل بالنفي ، ولم تزل العساكر الإنكليزية مقيمة بمصر ورجالهم السياسيون هم مرجع الأمر والنهي والوزارة تحت رئاسة شريف باشا وناظر الداخلية الذي له كمال النفوذ رياض باشا ، وإنكلاتيره بصدد ترتيب حالة جديدة للسيرة السياسية داخلية وخارجية لمصر مع إعلانها بأن مصر تحت سيادة الدولة العثمانية على امتيازاتها المقررة بالفرامانات السلطانية ، وأن التراتيب التي هي بصددها لا تمس شيئا من حقوق الدولة ولا معاهدات الدول الأجنبية ، وتقلص نفوذ فرنسا في مصر ولم تزل غير مسلمة رسميا لانكلاتيره بمرادها ، وللروسية ميل إلى معاضدة فرنسا هذا ما وقع إلى الآن وهو المحرم سنة ١٣٠٠ ه وبه يعلم صحة ما كنا ذكرناه في استيلاء فرنسا على تونس وكتبناه سنة ١٢٩٨ ه والله يفعل ما يشاء ويختار وله عاقبة الأمور.
مطلب في السياسة الداخلية المصرية
اعلم أن مصر مملكة عثمانية لها امتيازات خاصة بينها الفرمان الصادر في ولاية الخديوي محمد توفيق باشا وهذا نصه :
الدستور الأكرم المعظم الخديوي الأفخم المحترم نظام العالم وناظم مناظم الأمم مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب ، متم مهام الأنام بالرأي الصائب ، ممهد بنيان الدولة والإقبال ، مشيد أركان السعادة والإجلال ، مرتب مراتب الخلافة الكبرى مكمل ناموس السلطنة العظمى ، المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلى خديوي مصر الحائز لرتبة الصدارة الجليلة فعلا ، والحامل لنيشاننا الهمايوني المرصع العثماني ولنيشاننا المرصع المجيدي وزيري سمير المعالي توفيق باشا أدام الله تعالى إجلاله وضاعف بالتأييد اقتداره وإقباله ، أنه لدى وصول توقيعنا الهمايوني الرفيع يكون معلوما لكم أنه بناء على انفصال إسماعيل باشا خديوي مصر في اليوم السادس من شهر رجب سنة ١٢٩٦ ه وحسن