خارج البلد في الجبل في مكان منشرح نزه ولضريح الشيخ مهابة ووقار قلبي ، وحوانيت البلاد على نحو ما ذكرنا في تونس وبساتينها تسقى بآبار يسنى عليها بالدواليب في الصيف ، وتنور البلد ليلا بفوانيس الغاز وبخارجها بستان انتزاه عمومي قليل الجدوى وبقربه سبيل قديم لا زال قائما وحذوه قهوة على النحو الغربي لكنها قذرة ينتابها بعض الناس ، ومنازل المسافرين بالبلد جيدة على النحو الأوروباوي وقد أقمت بهاته البلدة ليلتين ثم سافرت بحرا قاصدا عنابه ومنها إلى تونس فمررت ببلد دلس ، وهي قرية صغيرة على البحر لم نستطع الدخول إليها لشدّة هيجان البحر وعدم مرسى أمينة بها ، ثم مررنا على بجاية ثم جلجلى ثم أسكيكده ، وكلها قرى صغيرة الجديد من بنائها على النحو الأوروباوي والقديم على عادة أهل القطر ، والأهالي أغلبهم فرنساويون ارتحلوا إلى هناك.
وأما أسكيكده فالبلاد القديمة قد خسفت بها الأرض والعياذ بالله وقد بني على شاطىء البحر قرية جديدة منتظمة الطرق واسعتها على نحو النوع الأوروباوي ولم أشاهد تفاصيل هذه القرى لأن الباخرة لا ترسي فيها إلا قليلا ، وإجمال حالهم يندمج فيما سيأتي إن شاء الله تعالى. ومن القرى التي رأيتها قرية قالة البعيدة عن عنابة نحو أربع ساعات في طريق الحديد في الجهة الجنوبية الشرقية منها وهي قرية مستحدثة يغلب على طبع أهلها البداوة وهي منتظمة البناء والطرق قليلة الماء وبها جامع وقاض وحاكم فرنساوي وعساكر وحصن وكنيسة وحديقة صغيرة للعامة.
الفصل الثاني : في التعريف بالجزائر
هذا القطر واقع على شط أفريقية الشمالي ويحده جنوبا الصحراء الكبيرة وشرقا تونس وشمالا البحر الأبيض وغربا مراكش ، وهو قطر متسع ذو جبال شاهقة وأنهر عديدة وعيون دافقة وبه معادن غنية من الحديد والفضة والآن مشتغلون بإخراجها سيما المعدن الذي أصله تابع إلى تونس قرب حدودها في القالة ، وبها معادن أخر عديدة منها المستعمل كالقصدير ومنها الذي لم يزل في زوايا الخمول ، وأما هواؤه وحيواناته ونباته فهو مثل تونس في عموم ما ذكرناه فيها ، والجهات الشمالية هي ذات الخصب والأشجار العظيمة والغابات ، ومدن هذا القطر وبلدانه أشهرها قاعدته الجزائر ثم وهران ثم تلمسان ثم قسنطينة ثم بونه وغيرها كثير لا يبلغ مبلغ ما ذكر ، ومراسيها المهمة هي المدن المذكورة غير قسطنطينة لأن هاته متوغلة في البر على قمة جبل ، وينقسم القطر بالنظر إلى طبيعة الأرض والسكان والإدارة إلى ثلاثة أوطان كبار.
أوّلها : وطن الجزائر وهو في الوسط ويمتد من الشط شمالا إلى الصحراء جنوبا.
وثانيها : وطن وهران غربي السابق ممتد معه كذلك.
وثالثها : وطن قسنطينة شرقي الأول ممتد معه كذلك. ولكل وطن قاعدة هي المدينة المنسوب إليها وله فروع على حسب الإحتياج وعدد سكانه نحو مليونين وسبعمائة ألف