فعددهم في مملكتهم لا زال يزداد ودونك برهانا على ذلك في أقرب وقت. وهو أن عدد أهل إنكلاتيره أي المملكة الأصلية من الجزيرة الكبيرة وحدها كان في سنة ١٨٥١ لا يصل إلى سبعة عشر مليونا ونصف ، والآن هو سنة ١٨٨٢ أعني في ثلاثين سنة صار عددهم يناهز ثلاثة وعشرين مليونا فازدادوا خمسة ملايين ، أو تزيد مع كثرة من هاجر منهم إلى ممالك أخر مما يقرب من ذلك العدد ، ولمجموعهم تغال في عقائدهم فمن ذلك محافظتهم على يوم الأحد بحيث لا يفتح فيه محل عمل سوى الأكل والشرب ومن فتح حانوته عوقب ولو لم يكن من مذهبهم ، وهو غاية التناقض مع ما يطلقونه من الحرية ولملكتهم الحالية زيادة توغل في ذلك حتى حكى عنها الشيخ أحمد فارس : «أنها عرض عليها أحد وزرائها أوراقا مهمة للإمضاء في ليلة الأحد لكنه تلف لها بإمكان تأخيرها للصباح فقالت : كيف وهو يوم الأحد؟ فقال هي مهمة للحكم ، فقالت : إذا بعد الكنيسة ، فقال : نعم ، ولما رجعت من الكنيسة وكان الوزير مصاحبا لها أعلمته بأن الخطبة التي أعجبته هي بإيعازها إلى القسيس في المحافظة على يوم الأحد وبناء على ذلك فليأتها صبيحة يوم الإثنين ولو في الساعة الثالثة قبل الظهر لتمضي له أوراقه ، وتلك الساعة عندهم من العجيب مباشرة الأشغال فيها لأنها مبكرة جدا حسب عوائدهم.
ومن عاداتهم التزحلق على الجليد ولهم مهارة في ذلك وقلدهم الفرنسيس وكثيرا ما يحصل العطب بانكسار الجليد وتغرق من عليه في النهر أو البركة أو البحيرة ، والحاصل أن أخلاق الإنكليز عبوسة ولا يلتحمون بالأجنبي مثل ما يقع من الفرنسيس ، غير أنهم إذا ود أحدهم أحدا سيما من عيلتهم فإنه يحافظ عهده ويدوم على ولائه ويحمون ذماره. ولهم ولوع بالخيل وتربيتها وتنسيلها وغناءهم بالنسبة للطليان والفرنسيس رديء لتقطع أصواتهم وحصرها وبقية الصفات هم فيها مثل من تقدم ذكره من الممالك ، ثم يوجد في إنكلاتيره نوع من البشر يسمون عند أهل تونس بالزمازية وفي الأستانة جينكا له وبالفرنساوي بالبوهيمية ، وهم في الحقيقة موجودون في أغلب الأقطار شراذم وفي كل جهة محافظون على عوائدهم ، وأهمها الجهل وعدم مخالطة النسل وتعاطي علم الغيب وسكنى الخيام وتعاطي الصنائع البسيطة الرذيلة مع الفقر ، ولهم لغة تخصهم. ومن عادات أواسط الإنكليز وعليتهم حسن تربية الأم لأولادها بحيث ينشؤن على التهذيب والتفطن إلى التعليم من غير تعب ، حتى أنهم كثيرا ما يتعلمون الأحرف ومبدأ القراءة لمجرد التربية فيما تدمجه الأم أو المربية للصغير مع النظافة والإبعاد عن الأخلاق الذميمة ، وكل أوربا على هذا النحو لما لهم في النساء من التعليم الحسن.
مطلب في التجارة بإنكلاتيره
اعلم أن الأصول المتجرية التي مر ذكرها في الممالك السابقة هي جارية كذلك في انكلاتيره لكن لهؤلاء زيادة بسطة وغنى على سائر الممالك بما يروج من تجارتهم في