الفرنسيس في حرب سنة ١٢٨٧ ه ١٨٧٠ م بحمية أكثر من حمية الفرنسيس أنفسهم وشهد لهم بالشجاعة والصبر والمعرفة والجرأة كل من الفرنسيس والألمان ، ولما وقع انكسار الفرنسيس أثناء تلك الحرب حركت الدسائس أهالي الجزائر إلى الثوران فامتنعوا وفاء بعهدهم مع الإمبراطور نابليون الذي أحكم معهم الصلة ووعدهم بمزيد المساعدة والنجاح قبيل تلك الحرب إلى أن علموا خلع الفرنسيس له فثار بعضهم إذ ذاك لكنه لم يجد نفعا لتفرغ فرنسا من حرب خصمها ولعدم اتفاق الكلمة بين الجزائريين ، ولا زال أهل الجزائر يثنون على نابليون وعائلته لما شاهدوا منه من إنصافهم واعتبار حرمتهم حتى قال في خطابه الرسمي : إني إمبراطور الفرنسيس كما أني إمبراطور العرب ، وكان ذلك هو الذي أوجب للكثير ترجيح الحكومة العسكرية ظنا منهم أنها لا تسير إلا على نحو ما تركها عليه الإمبراطور بخلاف غيرها ممن لا يراعى لهم ذمة ، حتى أن العساكر مع ما مر ذكره لم يمنح لأحد ضباطهم أن ينال رتبة رفيعة في العسكرية فذاك هو سبب الملل الذي لا يبرح من نفوس الأهالي ، وإن جعل منهم بعض أعضاء في المجلس الذي يدعوه الحاكم للتشاور في المصالح ، لكنهم أعضاء صورية لأن أغلب الأعضاء من الفرنساويين مدافعون عن حقوق الفرنساويين المستوطنين هناك وهؤلاء يرون أنفسهم مظلومين بالنسبة لأمثالهم في فرنسا مع عدم الداعي إلى ذلك ، لأنهم قد تحققوا أن الأهالي إذا نالوا إنصافهم وتسويتهم في الحقوق يكونون أهلا لنيل سائر المنح الحائز لها الفرنساويون ، وأهالي الجزائر الآن يعتبرون أنهم في حماية الفرنسيس إلا أن لهم الجنسية الفرنساوية والفرق بين هذين هو أن من له الجنسية ينال سائر المنح الفرنساوية وعليه ما على أفراد الفرنسيس من القوانين من الدخول في العسكر وإجراء أحكام الزواج المدني والتوارث على مقتضى القانون إلى غير ذلك ، وأما صاحب الحماية فيجري أحكام ديانته فيما ذكر ولا يدخل للعسكر إلا برضاه نعم يتخذ منهم نوع من العسكر الخيالة يسمون «بالسباييس» دون رتبة العسكر وللأفراد أن يدخلوا في الجنسية باختيارهم بحيث لا غصب فيها ، وقد دخل فيها كثير بعضهم للشهوات وبعضهم تملقا كاليهود وبعضهم طمعا في الرتبة العالية العسكرية ، وهو وإن نال شيئا منها لكنه مهان في اعتبار النفوس لما يوجب ذلك من امتهانه لديانته في نظر العموم ولو من الفرنسيس ، ولما تقدم لم يكن للأهالي المساواة في الإعتبار بينهم وبين الفرنسيس ويظهر ذلك حتى بنظر العين في المعاملات التكريمية والتوقير وترى اليهود أحرز للحرية في معاملة الفرنسيس وخطابهم من المسلمين.
مطلب في السياسة الخارجية للجزائر :
ليس للجزائر سياسة خارجية إذ السياسة إنما هي لفرنسا ولا ترى في قاعدة الجزائر ولا غيرها من اعتبار أو ذكر لقناسل الدول الأجنبية وما هم فيها إلا كأمثالهم في إحدى مدن فرنسا.