ماله وسافر هو مشتكيا إلى دولة فرنسا فأحالته على مجلس شوراء الدولة المسمى «كونسيل دي تا» ووكل أشهر العارفين بأحكامهم وعكف منتظرا للحكم ثلاث سنين صارفا أوقاته في مطالعة الكتب وتأليف كتابه باللغة الفرنساوية المسمى «مرآة الجزائر» الذي أودعه أخلاق القبائل وحالة سيرة حكام الترك وما آلت إليه من مظالم الفرنساويين ما لم يكن يظن صدوره عن أمة متمدنة وقد قبل هذا التأليف في فرنسا بالإعتبار لكن حكام الجزائر استاءوا منه وزادوا نكالا بكل من له علقة بالمؤلف المذكور ، وبعد ما مر عليه ما مر صدر الحكم من المجلس المشار إليه ابن حمد أن المدعي محق في دعواه لكنها لما رفعت إلى المجلس بعد صدور أمر الدولة بأن لا تقبل دعاوى تلك السنة التي حصلت عليه فيها المظالم فلا حق له حينئذ فآواه سفير الدولة العثمانية واستقر بعدها في الأستانة وكان إبنه علي باشا من أعيان رجال الدولة ، وعلى نحو ذلك العمل تجري الإدارة السياسية في الجزائر إلى الآن فترى في صحيفتها الرسمية المسماة «بالمبشر» على الإستمرار صدر الأمر بثقاف أملاك فلان وهي كذا وكذا وأملاك فلان الخ.
لكن منذ سنة ١٢٩٥ ه أدخلت المدن وبعض قرى تتبعها تحت الحكم المدني القانوني لكنه خال عن الحرية اللازمة وإنما هو أهون من الحكم العسكري الإستبدادي لبعض أقسام الناس ، وأما كثير من البادية وجهال العامة فإنهم يريدون الحكم السابق العسكري ويرونه خيرا لهم لما يأتي بيانه ، ولمجموع ما تقدم ذكره مع التخالف في الديانات بين الأهالي والدولة المتسلطة دامت الثورات وتعاقبت عند كل فرصة ، وعذرهم على ذلك منصفوا الفرنسيس حتى سمعت من كثير منهم ساكني الجزائر يتشكون من الإدارة وما زالت صحفهم تطلب إنصافهم واستقامة إدارتهم وإعطاءهم الحرية المناسبة بل ويطلبون المساواة مع فرنسا في جميع قوانينها وعلى هذا الرأي قسم وافر من أهالي فرنسا أيضا ، بل أن نابليون الثالث نقر عن أسباب الثورات وذهب بنفسه إلى الجزائر مرتين ثانيتهما لتسكين ثورة وقعت هناك ، وعلم أن أعظم أسباب ذلك من سوء معاملة الأهالي من الحكام فصغى إلى شكايتهم وأزال عنهم كثيرا من المظالم وساعفهم إلى مطالبهم فسكنت الثورة بدون سفك للدماء ولا تشفي في الثائرين كما صرح بذلك الإمبراطور نفسه في خطبته عند رجوعه إلى فرنسا ، وكان توغل في دواخل الجزائر وأواسط القبائل الجسيمة ذات السطوة منفردا عن الحامية الفرنساوية معتمدا على وفاء العرب وصدقهم وقد تعهدوا له بذلك وقاموا له حق القيام من عامتهم وخاصتهم وفرحوا بمقدمه لهم ومالوا إليه وإلى إنصافه وأظهروا له من الطاعة والتعظيم ما عاد به مسرورا منهم موقنا بإنصاف مطلبهم ومحبا خالصا وعاطفا حنوا عليهم ، واختص منهم في باريس قسما من العساكر لحراسة ذاته وأكرم مقامهم ورفع من شأنهم واتخذ قسما من الفرسان في مصاحبته في ركوبه بملابسهم العربية ، وكذلك العساكر يلبسون العمامة ويسمون بالزواف وقد حاربوا في الدفاع عن