الباب السادس في انكلاتيرة
الفصل الأوّل
في سفري إليها
قد تقدم أني أقمت في باريس سنة ١٢٩٦ ه نحو شهر وحيث كنت علمت أغلب ما فيها ولزمني انتظار أشياء يتوقف عليها رجوعي إلى تونس أحببت أن أقضي بعض أيام في رؤية إنكلاتيره لشهرتها مع قربها من باريس ، فركبت الرتل السريع صباحا وذلك في رمضان الموافق لتموز الأعجمي ، واستمر الرتل سابحا بسرعة يقطع بها نحو الخمسة والأربعين أو الخمسين ميلا في الساعة ، فرأيت من منظر شمال فرنسا ما يربو عن الجهات الشرقية والجنوبية انتظاما وعمرانا إلى أن وصلنا إلى بلد كلي التي هي مرسى على أضيق خليج بحر المنش بين فرنسا وإنكلاتيره ولها عدة أسوار وخنادق متينة حصينة للغاية ، ودخل الرتل بين سورين إلى أن وصل إلى محاذاة الباخرة اللاصقة بالرصيف وكنا أخذنا ورقة الكراء إلى ذات لندره فانتقلنا من الرتل إلى الباخرة ، وصادفنا باخرة عجيبة الشكل إذ هي مؤتلفة من باخرتين متلاصقتين عرضا وسطحهما متحد ولكل آلة بخارية وبها بيت جلوس واسع جدا ذو إتقان بليغ وبها أيضا بيوت صغار لمن يريد الإنفراد لكنه يزيد نحو عشرة فرنك في الكراء عن الطبقة الأولى ، وفي الباخرة جميع ما يحتاج إليه المسافر لكنه له ثمن زائد عن الكراء والداعي لجعل الباخرة كذلك هو صعوبة ذلك الخليج وشدّة اضطرابه لأنه مضيق بين بحرين ويمر فيه التيار بسرعة فبادني ريح يشتد اضطرابه مع تطلب الراحة للمسافر فاخترعوا ذلك النوع من البواخر لكي لا يحصل فيه الإضطراب بكثرة عرضه فلم يفد واخترعوا نوعا آخر فيه أيضا ، وهو أن يكون بيت الجلوس منفصلة عن الباخرة من جميع الجهات ومعلقة فيها على نحوا الفوانيس بحيث إذا مالت الباخرة لا يميل البيت حيث كان معلقا فيتبع ثقل المركز فلم يفد أيضا لأنه إذا اشتد الميلان يلاطم بعض أجزاء السفينة حائط البيت ويتبعه في الميلان ، فحاولوا أن يخترقوا طريقا تحت قعر البحر ووضعوا لذلك رأس مال قدره أربعة ملايين فرنك بين الفرنسيس والإنكليز للتجربة أعني تجربة معرفة الطبقة السفلى من أرض البحر هل هي صلبة قابلة للإستمساك أم هي رخوة ، أما أصل إمكان النفاذ فقد جربوه تحت نهر التيمس كما سيأتي ذكره ولا زال العمل جاريا في هاته التجربة وذكروا أنهم وجدوا الأرض صلبة ، بأن حفروا في شاطىء البحر بئرين أعمق من أعمق محل في ذلك البحر فوجدوا طبقة الأرض صلبة فاجتهاد الجهتين متوال في أحداث هذا الطريق ، وهذا ينبيك عن