ترسل مقدارا غير كاف لإخماد النار إذا كانت مستعمرة بهيجان قوي وكثيرا ما تنكسر قوّتها أوّلا وثانيا وثالثا لكنها لا تنكص على عقبيها إلا بعد بلوغ أربها إما بمداومة الحرب على النحو السابق مع تزييد القوّة شيئا فشيئا إلى أن تغلب أو بوقوع الصلح على ما يرضيها وترضى به الثائر على نوع ما كان ذلك لعدم وجود قوة عسكرية تحت السلاح ولا حاضرة للدعوى متى أرادت الدولة لما مر من أن الإنكليز لا يدخلون العساكر إلا بالرضى وليس لهم إلا مقدار حفظ الراحة فإذا ثارت جهة لزم الدولة إحضار العساكر برضاهم وذلك لا يتأتى عاجلا مثل ما يأتي للدول المرتبة العساكر ، وأيضا بعد حضورهم تلزمهم مدة التدريب ثم أن العساكر عندهم تلزمهم المصاريف أكثر من عساكر بقية الدول لأن من قانونهم أن العسكري لا يخدم شيئا سوى الحركات الحربية فيلزمهم من الخدمة وحمل الأثقال ما هو أضعاف عددهم ولا يخفى ما في ذلك من المصاريف والكلفة المحوجة إلى الوقت ، حتى أن عساكرها الذين وجهتهم على الحبشة منذ نحو عشرين سنة لزمها أن تجعل لهم طريقا حديدية وقنوات لجلب الماء كلها موقتة ، وكان خادمو العسكر ضعفي عدد العساكر وهكذا دأبها في حروبها.
وبناء على اتساع المستعمرات وافتراقها وبعدها عن مركز الدولة وكون الطرق إليها بحرية مع أن نفس مركز المملكة جزيرة لزم أن تكون دولة الإنكليز هي أقوى دولة في البحر من حيث السفن الحربية ومن حيث كثرة السفن التجارية ووجود البواخر والعارفين بفن البحر.
مطلب في السياسة الخارجية للإنكليز
اعلم أن ما تقدم من الأحوال العامة في الخارجية للدول العظيمة مما تقدم ذكره في إيطاليا وفرنسا وهو أيضا جار في انكلاتيره مثل وجود السفراء والمراقبة لجهات المنافع الخ ، فالذي يخص إنكلاتيره هنا هو بيان محلات إهتمامها في الخارج وحيث قد تقدم أن لها مستعمرات في جميع أقسام الكرة المعروفة ، كانت عنايتها في الخارج أوسع من غيرها من بقية دول أوروبا لكن ليست الجهات كلها سواء في الرتبة بل هي متدرجة ، ففي أوروبا ليس لها من النفوذ في داخلية دولها شيء سواء كانت الدول كبيرة أو صغيرة لابتناء إداراتهم على قواعد راسخة مسلمة بين جميعهم مقررة بمعاهدات ، فلن ترى حاكما إنكليزيا ذا سلطة في برلين قاعدة ألمانيا ولا في مونكو التي هي دولة مستقلة في بلدة محاطة بإيطاليا عدد سكانها نحو أربعة آلاف نسمة والكل في الدخول تحت أحكامهم من رعية الإنكليز سواء ، وإنما نواب الدولة يراقبون الأحوال السياسية لا الأحكام الشخصية ، نعم لدولة الإنكليز زيادة اعتبار في خصوص مملكة البلجيك لما اقتضته معاهدة سنة ١٨١٥ من استقلال هاته المملكة عند سقوط نابليون الأول وجعلها تحت حماية كبار الدول ، غير أن المراقب لتلك الحماية هي دولة الإنكليز فهذا هو وجه زيادة اعتبارها هناك ومثل ذلك حاصل في دولة