يقع انتخابهم على الخطيب ومع ذلك يعطون الرشا لمن له صوت في الإنتخاب لكي يحصلوا بذلك أكثرية المنتخبين ، فكثيرا ما ينجح سعيهم ويحصلون على الوظيفة بذلك الطريق بعد أن تقع غوغاء وتشاتم وسباب بين أحزاب المنتخبين ، فيدخل بسبب ذلك في الوظيفة من لا ترتضيه الأهالي حقيقة أو من ليس جديرا بها لكثرة أغراضه وغير ذلك ، وهذه المفسدة ولئن كانوا جعلوا لها علاجا وهو أنه بعد التئام المجلس المنتخب ينظر في المنتخبين هل هم مستكملوا الشروط أم لا؟ ومن كان غير مستكمل يفصل عن المجلس ويعاد انتخاب غيره ، لكن ذلك لا يفيد في أغلب الأحوال لأن الذي انتخب بحيلته ورشائه قد يكون مستكمل الشروط الرسمية ، فلا يجد المجلس سبيلا للقدح فيه لكنه غير مستكمل الشرط الأساسي وهو ارتضاء الأمة حقيقة بمسلكه السياسي ، فلذلك كان ينبغي أن يعتبر أن طالب الولاية والأمانة يحرم منها فشرعنا الشريف ولله الحمد مزيح عنا مثل تلك المفسدة ، وطالب الولاية وإن كان عدلا متوفرة فيه شروط وظيفته فإنه يحرم منها بحرصه عليها ، هذا وقد تضمن كتاب أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك تفصيل إدارة هاته المملكة بما يعز وجوده في غيره وينبىء عن باع صاحب التأليف وبصارته في السياسة ، فمن أراد تحقق الأمور وتفصيلها فليرجع إليه.
مطلب : في السياسة الخارجية في فرنسا
اعلم أن فرنسا لما كانت من أعظم الدول الأوروباوية وفي طبيعة أهلها حب الفخر والوجاهة أكثر من غيرهم ، كانت تحب التداخل في أمر غيرها أشد ممن سواها ممن يقارنها وكفى بما ذكرناه في أحوال نابليون الأول والثالث وأسباب حرب سنة ١٢٨٧ ه ١٨٧٠ م شاهدا على ما ذكر ، ولذلك كانت فرنسا لها ما لإيطاليا مما ذكرناه في سياستها الخارجية وتزيد بتطلب النفوذ في جميع الجهات ، إذ جعلت فيها مستعمرات كثيرة فكل مملكة جاورتها ولو في مستعمراتها تتطلب النفوذ لديها ولو بالإعتبار فيما إذا كان الجار ذا شوكة وشأن ، أما إذا كان ضعيفا في القوة والإدارة فإنها تلتقمه مهما سنحت لها الفرصة ، شأن طبيعة الدول القوية ودونك ما وقع في تونس هاته السنة وهي سنة ١٢٩٨ ه مما يوضح هذا المقصد ، وهو الذيل الذي نبهنا عليه في الباب الثاني عند الكلام على سياسة تونس الداخلية والخارجية.
ذيل : في تسلط فرنسا على تونس
قد مر في المطلب الثامن من أحوال الإدارة الداخلية في تونس ، حالة وزارة وزيرها مصطفى بن إسماعيل وتصرفاته وما وقع في نازلة صانسي الفرنساوي التي كانت سببا في خوف هذا الوزير من القنصل ورام أن تبدله دولته ، وتقدم أيضا ما هي مقاصد فرنسا في تونس وأنها تروم نيل الدرجة العليا فيها ولما رأت سيرة الوزير المذكور لم تأمن وقوع ارتباكات مغايرة لما كانت راضية بالبقاء عليه ، وخشيت ضياع الفرصة من سهولة التوصل