لكي يأمن المجلس بتصرفاتهم ، لأن للمباشرة في الإجراء دخل عظيم في نجاح الأفكار ، ولأن بعض الأمور تفوت بفوات وقتها فهب أن الوزير مسؤول ويجري عليه العقاب بإخلاله لكن منفعة الأمة عموما تفوت بفوات الفرصة ، ولذلك كان انتخاب الوزراء ممن تعتمد المجالس عليهم زيادة على شروط الأهلية الذاتية ، وهكذا بقية الإدارات على نحو ما مر في إيطاليا. غير أن فرنسا لما كانت لها مستعمرات كثيرة فهي تعدهم مثل ولايات فرنسا وأوطانها في كيفية الإدارة ، وكون مصدرها هم الوزراء المعهودون من غير تخصيص بوزير للمستعمرات كما تفعل الدول التي لها مثل ذلك ، فهي من هاته الجهة تعد مستعمراتها جزءا منها لكنها تحرمهم مما تحوزه أهل فرنسا من الحقوق والمنح كالحرية وحق إدخال أعضاء في مجلس النواب وأعضاء في مجلس الأعيان إلى غير ذلك من الإمتيازات المحصل عليها أهل فرنسا ، فلذلك كانت مستعمراتها أسوأ حالا من غيرها لفقدانهم حريتهم الأصلية وعوائدهم واستقلالهم مع حرمانهم مما للمتسلط عليهم من الخصائص.
وأما إدارة الأحكام فهي أيضا على نوع ما تقدم في إيطاليا ، ومن أهم ما يذكر فيها وجود حكام الجوري وهم أعداد من مطلق الناس تنتخبهم العامة لمدة من الزمان لأجل مشاركة مجلس الجنايات الشخصية في النظر ، بمعنى أنهم يحضرون المجلس المركب من رئيس وعضوين ويعمل المجلس جميع المقدمات بمحضرهم ثم يسألهم رئيس المجلس عما يرون في النازلة. هل صاحبها مجرم أم لا؟ ومن أي نوع جريمته؟ فيتفاوضون وما يستقر عليه رأيهم يعلمون به المجلس ، ثم المجلس يطلق المدعى عليه حالا إن رأى الجوري براءته أو يعين العقوبة من القانون إن رأى ذنبه ، والسبب في إيجاد الجوري هو زيادة الإحتراس في الحكام عن ميلهم إلى محاباة الأمراء والوزراء ، لأن وظيفة الحكام وإن كانت عمرية وهم منتخبون بشروط العفة والأهلية ووراءهم احتساب مجلس الأعيان ومجلس الأمة ومن ثبت إرتشاؤه يعاقب أشد العقاب ولا تهمل العقوبة بعفو أو شفاعة ، لكن ربما أغرتهم مع ذلك الدواعي بالترقي إلى الرتب العالية التي هي بيد الأمراء والوزراء ويتعذر الإحتساب بما يرتب من الحيل ، فدفع هذا بمشاركة الجوري الذين هم ليسوا بمتوظفين ولا خوف ولا طمع لهم ، لكن في ذلك مفسدة أيضا إذ هؤلاء الجوري كثيرا ما يكونون غير فقهاء ولا دراية لهم بالأحكام ولا ببواعثها ولا بالتحري فيها فيخبطون خبط عشواء ويضيع الحق بسببهم ، إذ لا تعقب لما يرونه. وبه يعلم مدرك الشرع الإسلامي في إناطة الحكم بالعلماء أهل العدالة وما أدراك ما العدالة ومشاورة الحاكم للعلماء وكون حكمه جهريا ثم وراءه احتساب أهل الحل والعقد الداخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن المفاسد الموجودة أيضا عندهم في انتخاب أعضاء مجلس النواب أو غيرهم ممن تنتخبه الأهالي ، أن أفرادا ممن يعدون أنفسهم للإنتخاب يعقدون مواكب ويدعون إليها الأهالي في أماكن فسيحة ويلقون عليهم خطبا يبينون فيها أفكارهم ومقاصدهم في سياسة المملكة وجدارتهم للقيام بالمناضلة عنها وثقتهم بالسامعين لأن يكونوا من حزبهم ، حتى