السفن المارة لكلا الطرفين ، وليس لأولئك القناسل من شيء سوى قضاء ما يحتاج إليه اتباع دولهم إذ الحكم في البلاد جار على الجميع سواء من دون دخل لقنسل ، فالقناسل أشبه بوكلاء تجارية نعم لهم فائدة في الإعلام بالحوادث السياسية إن حصلت هناك ولذلك كانت أغلب القناسل هناك أصحاب وظائف شرف لا وظائف عمل فكثيرهم لا مرتب له ، وإنما يكون من ذوي الثروة يقنع برسم إشارة الحكومة المنسوب إليها على باب داره لمجرد الفخر إذ الإفرنج مطلقا سواء كانوا من أهل مالطة أم من غيرهم لهم ولوع زائد بحب الفخر ، فتراهم يتهافتون على نياشين الإفتخار وعلامات الامتياز ولو من دولة صان مارنيو التي هي عبارة عن أربعة آلاف نسمة ليزينوا بها صدورهم في المواكب أو يثبتوا في ستراتهم غرات على شكل الوردة ذات ألوان مشيرة إلى ما عندهم من علامات الامتياز فإذا دخل الزائر مقلدا بتلك الوردة نال من المزور زيادة المراعاة ولو من جبابرة لندره وطغاة باريس ، ومن سخافة عقول بعضهم أن يتخذ تلك الإشارات وسيلة للتدجيل على النساء حتى تعشقه للزواج أو غيره بناء على أنه من علية الناس ، وقد نشأ عن هاته الرغبة في النياشين أن بعض الدول صار لا يعطيها إلا بثمن لذات النيشان الذي هو أزيد من قيمته ، وزيادة على ذلك صار بعض الدول يعين لسفرائه في الخارج عددا مخصوصا من كل طبقة من النيشان ليبيعه ويستعوض بثمنه عن أخذ مرتب له من دولته ، وكذلك مرتب أتباع السفارة مع ما يحصل له من رعيته إذا كان مقيما في مملكة يسوغ فيها تداخل السفراء والقناسل في الأحكام.
مطلب في بقية عادات المالطيين وأحوالهم
لما تقدّم لنا الكلام في الممالك السابقة على بيان أطوار الأوروباويين وعاداتهم فلا داعي إلى الإطالة بالإعادة على غير فائدة لأن مالطة قطعة من ملحقات أوروبا ، وإجمال أطوار أهلها على العموم مثل أطوار سفلة الطليان والأعيان منهم مثل أعيان أوروبا سوى أنهم يزيدون عليها بكثرة لبس الخواتيم في الأصابع ، ونساؤهم جميعا إذا أخرجن في الطرق يجعلن على رؤسهن رداء أسود مدلى جهة اليسار ويمسكن طرفه الأيمن بأيديهن ، وكذلك لغتهم مخالفة لغيرها لأنها عربية محرفة جدّا مدخول فيها كثير من الألفاظ والإصطلاحات الطليانية.