الباب الثامن
في الأقطار المصرية
الفصل الأوّل : في سفري إليها
بعد أن أقمت بمالطة ثلاثة أيام ننتظر سفر باخرة توا إلى الإسكندرية حيث لم يكن بينهما بواخر بريدية توا وإنما البريد يسافر إلى إيطاليا أو غيرها من جهات المشرق ثم يذهب إلى الإسكندرية ويلزم طول مدة السفر ، فلذلك أتيت باخرة تجارية من بواخر الإنكليز التي تتوجه إلى هناك بكثرة فوجدنا واحدة مشحونة بالفحم الحجري أنزلت منه ما أنزلت في مالطة وحملت الباقي إلى الإسكندرية ، والكراء فيها وفي أمثالها أرخص من بواخر البريد لأنه راجع إلى السفن حيث أن أصحابها ليس لهم إلا محمولات التجارة التي هي موضوع تشغيل السفينة فلم يكن بها إلا الطبقة العليا والأخيرة للركاب وليس بها المتوسطة وهما مثل طبقات البريد ، فركبنا ليلا لأن الباخرة عند تمام إفراغ شحنها تسافر من غير تأخير ولكنها لم تسافر إلا صباحا بعد الشروق وأسفت من ركوبها لما رأيت بها من الوسخ سوى داخل البيت الكبير فإنه نظيف ومثله حجرات النوم ، ومن المعلوم أن الجلوس به دائما مقلق لكنه ما مضى من وقت السفر أربع ساعات إلا وقد غسل ظاهر الباخرة غسلا محكما ونشف فصارت من أنظف البواخر ، والحق أن يقال أن بواخر الإنكليز مطلقا أشد نظافة مما يماثلها من غيرها أعني كل نوع بالنسبة إلى نوعه ، وذلك إني كنت رأيت بواخرهم الحربية مجتمعة مع غيرها من البواخر الحربية للدول الكبيرة عند قدومها إلى تونس سنة ١٢٨٠ ه في الثورة العامة ، فإذا بواخر الإنكليز أتقنها نظافة وكذلك البريدية والتجارية ، ويليهم في ذلك الفرنساويون.
ثم استمر السير والبحر في غاية السكون وكان معنا من الركاب في الطبقة الأولى إثنان إنكليزيان لهما معرفة بالتصوير فكدنا أن لا نمر بشيء إلا وصوراه من طير أو سحاب أو سفينة بل وكل من في الباخرة حتى كان فيها في الطبقة الأخيرة على ظهر السفينة أناس من المغرب وآخرون من صفاقس كلهم متوجهون إلى الحج وفي كل يوم عند إرادة غسل ظاهر الباخرة يؤمرون بالانتقال من مكان إلى آخر مع حمل رحالهم فيكونون في أشد التعب مع الدوار الحاصل لبعضهم بمرض البحر فصوروهم على تلك المشقة والجهد والجهيد ، ولما نظرت إلى حالة هؤلاء الحجاج شاهدت مصداق قول الفقهاء بعدم وجوب الحج على تلك