الحرمين ألفين ليرة في كل سنة لكل حرم ألف أي خمسة وعشرين ألف فرنك ، فأهالي المدينة إذا فرقت عليهم تلك الأموال يدفعون منها ما كان عليهم من ديون ترتبت عليهم في ضروريّات اشتروها نسيئة ثم يشترون كفايتهم للسنة القابلة آكلا ولبسا وإن فضل شيء بعد ذلك إدخروه لبقيّة السنة ، فلذلك يحصل في ذلك الوقت رواج للتجارة وهذا بالنسبة لغير ذوي الثروة منهم أما هؤلاء فهم على نسق غيرهم من ذوي الثروة وكذلك بعض قبائل الأعراب المقيمين بين الحرمين لهم نصيب ممّا ترسله الدولة والحكومة المصريّة فيحصل منهم أيضا رواج في التجارة بما يشترونه من ضرورياتهم ، والحاصل أن التجارة المعتبرة مركزها هو جدة أدامها الله بلد إسلام.
مطلب في الصنائع
لا يخفى أن الصنائع شعبة من شعب التمدن فتتكاثر وتقل على حسب ما في المكان التي هي به من التمدن ، وحيث تطاول زمن بعد الخلافة عن الحجاز وتكاثر بعد عهدها فيه الهرج وقل العمران وتغيرت طباع العرب السكان على حسب ما أشرنا إليه فلم يكن الآن بالحجاز إلّا الصنائع الضروريّة وبعض الحاجيّة ، فأما الفلاحة فكادت أن تنعدم إلى أن صار أهل الحجاز عيال في قوتهم جميعه على ما يرد إليهم من خارج بلادهم إلّا ما ندر ، والمسافر في تلك الأقطار لا يرى من الزراعة إلّا نزر يسير حول بعض البلدان لا يسد من عوز ، مع أن عشر ما حول المدينة وحدها قد كان في خلافة سيدنا عمر يبلغ إلى أربعمائة ألف أردب من الشعير وحده فضلا عن بقيّة الجهات ، ولو جمع الآن حاصل جميع ما بالحجاز لما بلغ إلى عشر المعشار من ذلك المقدار وعلى نسبة من ذلك أمر زراعة الأشجار فإنه يوجد بالطائف بساتين بها كثير من أنواع الشجر الليمون والرمان والعنب وغيرها من الفواكه المتعارفة كثيرا ، وغير هاته البلد لا يوجد بها إلا بعض شجيرات من تلك الأنواع لا تستحق الذكر ، وإن كان حول المدينة بعض من البساتين لكنها ليست على ما ينبغي إلّا النخيل فيوجد بها كثيرا كما يوجد بجهات أخرى حول المدن والقرى ، وفيه أنواع كثيرة جدّا من أنواع التمر منها الحسن للغاية ومنها دون ذلك وفيه بعض تجارة سيما في موسم الحج لشراء الزائرين للتمر وحمله إلى آفاقهم كل على قدر سعة حاله تبركا بذلك ، وأما البقول فكادت أن لا يوجد منها إلّا النادر كالبصل وما شاكله من البقول المتعارفة الشهيرة وكذلك الأزهار.
وأما بقيّة الصنائع فيوجد منها البناية والخياطة والتجارة وبعض صنائع أخرى من الحاجيات كالسروج وحوايا الإبل وغيرها ممّا يحتاج إليه أكيدا من غير تحسين ، والسبب في هذا الإنحطاط في كل من الفلاحة وبقيّة الصنائع هو اعتماد السكان أعني أغلبهم على المرتبات والجرايات من الدولة والأوقاف وتعويل الأعراب على مثل ذلك أيضا ، لأن الدولة جاعلة للقبائل جرايات سنوية من مال وحبوب للقوت ليقوموا بحفظ أمن الطرق ومن الطبيعي ميل الأنفس إلى ما يرد بلا تعب ، فصاروا حينئذ عيالا على تلك الواردات ونشأ عن