المسلمين وكذلك بلاد الترك ومصر والشام يؤتى بها إلى هناك وترسل إلى الهند وغيره من الأقطار الشرقيّة ، فبذلك كانت جدّة مرسي تجارية كبرى فضلا عما يدخل منها إلى جزيرة العرب على طريق البر سواء كان للحجاز أو لغيره من بقيّة الأقطار ، ومركز تجارة جزيرة العرب هي مكة المشرفة ، فتأتيها البضائع من جدة وتوزع منها على القوافل إلى سائر جهات جزيرة العرب إلّا ما قرب من الجزيرة إلى جهات اليمن التي بها مراسي تجاريّة مثل الجديدة وقليل ما هي فكانت مكة حينئذ هي المعتبر لتجارة العرب ، والتجار المعتبرون فيها أغلبهم هنود ، وأما جدّة فتجارها من أجناس مختلفة وفي أسواق كل من هذين البلدين تقاسيم حسنة تجعل لكل صنف من التجار جهة مخصوصة وتجارتهم غنيّة جدّا ، وأما المدينة المنورة فالتجارة فيها مقصورة على أهلها غالبا فيؤتى إليها بالبضائع المحتاج إليها فيها وتباع لأهلها والقبائل تحمل البضائع على قوافلهم إلى مراكز القبائل وإلى جهات جزيرة العرب مع الأمان على البضائع التي يحملونها ، فالقافلة لها رئيس يكون ذا ثروة وله كفال أغنياء في الجهات التي يذهب إليها ويحمل منها ، فتسلم إليه البضائع والمكاتيب البريديّة ويبلغها بأمان إلى أصحابها وإن حصل ضياع لشيء منها ولو بتعدي بعض القبائل بالإغارة فكفلاؤه يؤدون لأصحاب البضائع جميع ما يضيع لهم ، ومن أهم أنواع التجارة التجارة في المأكولات من الحبوب كالقمح والشعير ، وقد علمت أن البريد موكول إلى هؤلاء القوافل التجارية فأمره غير منتظم كما أنه غير محتاج إليه في أغلب تلك الجهات ، غير أنه يوجد بين مكة وجدة بريدا منتظما يوميّا صباحا ومساء يحمل على الحمير السيارة فيصل في نحو تسع ساعات ، كما أنه يوجد في مكة مركز للتلغراف أي السلك الكهربائي ويصل إلى جدة ومنها يتصل بجميع العالم ، كما أنه يوجد بريد منتظم في كل شهر مرة بين مكة والمدينة إلّا أن يكون أمرا مستعجلا فيرسل مع سيّار مخصوص ، وهذا البريد كله ما عدا أصحاب القوافل مرتب من الحكومة والمباشرون له من قبائل الإعراب الساكنون في أماكن مروره ، وفي كل سنة في موسم الحج تروج التجارة في مكة لأن أغلب الحجاج يشترون منها البضائع التي لا تعلم في بلادهم ممّا على وجه التجارة فيها وهو القليل أو على وجه الإهداء إلى أقاربهم وأحبائهم ، وكذلك تروج التجارة بالمدينة المنورة لأن سكانها يأتيهم في ذلك الوقت واردهم المالي إما من أموالهم في بلدانهم أو من الهدايا التي ترسل من الآفاق أو من الأوقاف والإرصادات المعينة لذلك في بعض الجهات وهاته الجهات هي الدولة العثمانيّة وهي الركن في ذلك ، لأنها ترسل في كل عام للقيام بشعائر الحرمين الشريفين ولمرتبات المجاورين وأهل الوظائف ما يبلغ مقداره سنويّا نحو الماية ألف ليرة أي مليونين ونصف فرنك ، وكذلك الحكومة المصرية ترسل كل عام إحدى وعشرين ألف إردب من القمح مع أموال عينا يبلغ مقدار جميعها إلى نحو العشرين ألف ليرة أي نحو خمسمائة ألف فرنك فضلا عن قيامها بمدرستين كل منهما في إحدى الحرمين لها أوقاف مخصوصة بمصر يرسل منها قدر كفاية القائمين هناك في كل عام ، وكذلك القطر التونسي يرسل من أوقافه المعينة على