عن حفظ ذمة المستجير به فإنه يوفي بعهده ولو حمله ذلك على الحرب وهلك فيها هو وقبيلته هذا غاية ما يمكن أن يذكر لهم من الصفات الحميدة مع إكرام الضيف وإطعام الطعام.
وأما بقيّة الأخلاق السابقة العربيّة فكادت أن لا يوجد منها شيء كجودة القريحة والدهاء في الأمور ومعرفة أحوال العالم ، فمن عجيب ما شاهدته من السذاجة في بعضهم وبلهه إن كان أحد الجمّالين ماشيا بقرب مني في طريق المدينة المنوّرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وعلى آله وهو كهل يخاطب شابّا في حساب بينهما ، فقال له الشاب : سبعة وعشرون مع سبع كم هو؟ فقال له الكهل : هيه ، فأعاد عليه السؤال فأجابه بالجواب الأول ثم أعادا ذلك ثالثا أيضا ، فقال حينئذ الشاب : هي سبعة وعشرون فقال له صاحبه هيه أيضا ، وانفصلوا على أن ذلك هو الحساب ، وعلى ذلك فقس فلا تكاد تجد من عامتهم من يصلح للخطاب في البديهيّات وإنما لخواصهم بعض من الآداب التي يفقه بها الضروريّات ، غير أن حفظ الحريم والبنات من صغرهنّ فلهم فيه مبالغة كليّة بحيث لا يمكن أن ير الرائي امرأة ولو معتجرة ، وما أصبر نسائهم على الجلد في التخدر ، فقد كان رئيس الجمّالين في قافلتنا استصحب معه عياله من مكة إلى بلد الجديدة وكان مردفا لها على جمل له فكانت من ساعة ظهورها إلى ساعة دخولها لبيتها التي هي مدة تنيف عن ستة أيام وهي ملتحفة بعباءة ثخينة من الصوف سوداء لا يظهر منها مقدار ظفر ولو من أصابع رجليها فضلا عن يديها أو وجهها ليلا ونهارا لا تفارق حويّة البعير وعلى هذا النمط النسوة في المدن فلم أر بالمدينة امرأة قط ، وأما مكة فكان بعض نسائها يخرجن لاداء مناسك الحج لكنهنّ في غاية التستر بحيث لا يظهر منهنّ شيء ، وعادتهنّ في الجميع أن لا يخرجن إلّا ليلا مع شدّة التستر بالخمار واللحاف ، وإن اضطررن للخروج نهارا فلا يمرون بالأسواق ولا بالطرقات الكثيرة المرور ، وتوجد قبيلة تسكن في عوالي المدينة أي خارجها بقرب من فنائها يسمون المخاولة وهاته القبيلة أصلها من قوم قد تفرقوا في آفاق الأرض وهم في كل قطر مستقلون بأنفسهم لا يداخلون أحدا ولا يخالطون الناس إلّا في ضرورة البيع والشراء ، ولهم في كل قطر لقب بحسب عرف أهله ، فيقال لهم في بلاد الترك : شنكانة وفي تونس : جمازيّة ، ويتبعون في كل جهة الصنائع الخسيسة مثل إصلاح أواني النحاس وصفائح الخيل ، وقد اتخذوا في جهة المدينة صناعة خسيسة أيضا ويتمذهبون بمذهب الشيعة على دعواهم ويستحلون نكاح المتعة ، فإذا قدم بعض حجّاج الفرس ممن يرى مذهبهم يأوي إلى بيوتهم لقضاء الوطر بنكاح المتعة ، وأمرهم في ذلك شهير وليس عليه نكير والأمر لله الذي إليه المصير.
مطلب في التجارة بالحجاز
اعلم أن بلد جدة هي مرسي تجاريّة عظيمة لأنها مركز للبضائع الهنديّة وغيرها ممن البضائع في الأقطار الشرقيّة ومنها يرسل لبقيّة الممالك الإسلاميّة التي تجارها مسلمون وكذلك لكثير من البلاد الاورباويّة ، كما أن البضائع الاورباويّة والبضائع الغربيّة من بلاد