العمل من غير كثرة ألم فظننت أنه عن علم فلم يفعل إلّا قطع الظفر لكن عقبه ألم كدت معه أن لا أستطيع المشي لولا لطف الله لأنه أراد الزيادة في القطع بعد ذلك فامتنعت ، لأنه ليس له من العلم شيء سوى كونه حلاقا حجاما تعود على فصد بعض الناس ، فأمثال هذا يمنعون شرعا عن مباشرة أعمالهم :
ولكن البلاد إذا اقشعرت |
|
وصوح نبتها رعى الهشيم |
فإذا خلت البلاد عن حكماء عارفين بعلم الطب يضطر الناس إلى هؤلاء الدجالين ، والحق أن أمر المعارف مع كونه واجبا في كل صقع وبلاد فهو في الحرمين أشد تأكيدا ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
مطلب في الأحكام
قد علمت ممّا مر في مبحث السياسة الداخليّة الأصول التي تجري عليها الأحكام وحاصلها : أن سيادة الشريف أمير الحجاز هو مرجع الحكم في قضايا الوقائع التي تقع بين القبائل ، وهو أيضا مرجع الشكايا من مظالمهم ، فيحذر رؤساءهم ومشايخهم ويأمرهم بما يراه وينفذ الحكم في الظالم بحسب اجتهاده هكذا الأصل ، ولكنهم الآن مستبدون بأمورهم كل قبيلة لا تخضع إلا لمشائخها ورؤسائها مما يذكر في زمن الفترة ، وكلّ يحكم باجتهاده واستبداده ولو في القصاص في الأنفس ، وإذا تعدت قبيلة على أخرى كان الأمر لمن هو أقوى ، فطاعتهم الآن لسيادة الأمير إنما هي ظاهريّة وهو وإن استطاع على إخضاعهم ولو بدون عساكر الدولة بل بمن ينضم إليه من بقية القبائل لكنه لا يقتدر على تنفيذ ذلك لما مرّ في أحوال السياسة الداخلية ، كما يرجع إلى سيادة الأمير فصل المضالم في أهل مكة والوالي هو الذي يجلس إلى فصل المظالم فيما يقع بين السكان في مكة أيضا ، فكأنها مشتركة بين الأمير والوالي لكن الوالي ينفرد بسائر مظالم جدة.
والمدينة المنوّرة يجلس فيها المحافظ في مثل ما ذكرناه ، وفي كل بلد حاكم يلقب قائمقام يجري ما ذكر أيضا في المسائل الخفيفة ، والمسائل الثقيلة ترفع إلى الوالي بمكة أو إلى سيادة الشريف الأمير ، والقبائل كلها مشايخها هم مرجع الحكم في سائر القضايا ، ثم أن كلّا من البلدين الأكرمين بها قاض هو مرجع الحكم في كافة النوازل الشخصيّة يجريها بمقتضى الشريعة ، وفي كل من البلدين مفت حنفي يسترجعه الخصوم في أحكام القاضي لكن القاضي ليس ملزوما باتباع فتواه بل لا يجري إلّا ما يراه وإن كان جاهلا ، والمفتي عالما ولا يخضع القاضي إلّا لأوامر باب مشيخة الإسلام في تخت السلطنة إن اقتدر الخصم إلى البلوغ إليه ، ولا يخفى ما في ذلك من المشقة لبعد الشقة ، كما يوجد في كل من البلدين الأكرمين محتسب له النظر في أمر المعاشات وقيم البيوعات وغش البائعين وخسران الكيل والميزان ، ويحكم في ذلك لكه بما يراه من الاجتهاد ولو بالضرب المبرح ، كما يوجد بهما مفات أخر على بعض المذاهب الأخر يرجع إليهم أهالي ذلك المذهب في