الباب السابع
في جزيرة مالطه
الفصل الأول : في سفري إليها
لما رجعت من فرنسا إلى تونس في أواسط رمضان سنة ١٢٩٦ ه ووجدت انقلاب الأحوال فيها باستيلاء فرنسا عليها قد نشم ولم تفد نصائحي إلى وزير تونس مصطفى بن إسماعيل ، بل رأيته أضمر لي الشر حتى أوعز إليّ بعض الصادقين بعزمه على البطش بي ولو أفضى إلى القتل معتضد أبرستان قنسل فرنسا إذ ذاك ، خشية من فشو ما اطلعت عليه من عزمهم وحصول التعطيل لهم حسبما سبقت الإشارة إلى طرف منه في ذيل تسلط فرنسا على تونس وفي أسباب سفري ، ولم نجد مخلصا إلا التخلص برأسي وطلبت من ذلك الوزير كتابة إعفائي من الوظيف متعللا بحالة بدني فأجابني كتابة بالمنع ، فطلبت الإذن بالتوجه إلى الحج فمنعني أولا فاستئجرت إليه بمن لم يسعه إلا قبول جاهه فأذن لي قانعا بالإستراحة مني وشافهني الوالي عند وداعه بما يشف عن غيظه الذي ملأ به وزيره صدره فأنقذني الله من شرهم ، وأخذت ورقة الجواز وسافرت أواسط شوال من تلك السنة إلى الحج على طريق مالطة بحرا فوصلت إليها بعد سير الباخرة البريدية نحوا من يوم ، فإذا هي جبال قحلة ترى فيها حيطان من الحجر مرصوفا منتشرة على تلك الجبال ومرساها من أعظم مراسي البحر الأبيض إتقانا وصناعة وتحصينا ، واقعة على الجهة الشرقية من شاطىء بلاد فاليتا التي هي قاعدة الجزيرة ، فصعد إلى الباخرة السماسرة لمنازل المسافرين واتفقت مع سمسار المنزل المسمى أوتيل دي باريس على أن يكون سعر اليوم والليلة فيه عشرة فرنكات سكنا وأكلا لي ولتابعي والسكنى في حجرتين والأكل مرتين لأنهم يسألون عن كمية الأكلات لما تأنسوا به من كثرة أكلات الإنكليز ، فدخلنا إلى البلاد ولم يطلب الكمرك إلا الأداء على المأكولات وذلك لأن السفر إلى الحرمين يلزم فيه قطع براري ليس فيه مرافق ، فأحضرت معي من المأكولات التي تدخر ما لا نجده في البلدان التي نمر عليها ، ومع ذلك كنت خففت ما استطعت ولم نعمل بإشارة بعض الأحباء من جمل كثير من اللوازم ظنا مني إني أجدها في البلدان القريبة هناك وكان الأمر على ما قالوا كما سيأتي في محله إن شاء الله.
ولما كانت مالطة مرسى حرة لما يأتي في سياستها لم يكن فيها أداء على شيء سوى المأكولات التي تؤدى إلى المجلس البلدي لمصالح البلاد وحيث كنت لا احتاج إلى تلك الأشياء في مالطة أبقيتها مؤمنة في الكمرك وأخذت فيها حجة لكي لا نؤدي عليها شيئا ،