فدخلناها عند الفجر وتلقانا المعرف التونسي الخير حلابة والمعرف هناك يسمى مزورا ، ونزلت عند الفاضل النحرير صاحب الأخلاق الحميدة والصفات السديدة البليغ الكامل عبد الجليل برادة جازاه الله خيرا وكثر من أمثاله في الأمة ، وبعد أداء الآداب والسنن أسعدني الله بالوقوف بين يدي نور العالم وسيد الخلائق وملجأ الأمم وفضل الله على خلقه ورحمته للعالمين سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيا له من حظ نفديه بالمهج ويا له من فضل تبدى من كرم الله وبلج ، وحظيت بالسلام عليه وعلى صاحبيه عليه الصلاة والسلام وعلى آله الكرام وأصحابه الأعلام ، وفي اليوم الثالث أنشدت بين يديه عليه الصلاة والسلام قصيدتي التي مطلعها :
إلى السدة العظمى شددت عزائمي |
|
إلى سدة الإجلال شمس المكارم |
وبثثت إليه عليه الصلاة والسلام شكواي في دنياي وأخراي ونلت قضاء أغلب مطالبي ولله المنة والحمد ، منها ما قضى في حينه ومنها ما تم قضاؤه بعد مدة قليلة وأنا أرجو كرم الله في قضاء باقيها بوسيلة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وزرت آل البيت عليهمالسلام وكثيرا من الأصحاب والأئمة الأعلام والمشاهد المباركة ، ثم قفلت مع القافلة وتوجهنا إلى ينبع ورفعنا ما أبقيناه من رحالنا في بلد الجديدة ووصلنا ينبع في الليلة الرابعة قرب الفجر ، فأردت النزول في خيامي فمنعت لأجل أن اكتري دار الأخ حاكم البلدة واكتراها لي بخمسة وثلاثين فرنكا في الليلة ، وهي أربع بيوت خربة إثنان فوق إثنين والدرج خربة وليس بها ولا حصير ، فأقمت بها ثلاثة أيام وكان في المرسى ثلاث أو أربع بواخر تنتظر إزدحام الحاج ، فجاءت باخرة نمساوية قافلة من الهند ومرت على جدة ثم ينبع ، فاكتريت بها قاصدا الآستانة.
الفصل الثاني : في صفة البلدين المكرمين وموكب الحج
مطلب صفة مكة المكرمة
أما مكة المشرفة فهي واقعة في عرض ٢١ درجة و ٣٠ دقيقة شمالي وطول ٣٧ درجة و ٣٦ دقيقة شرقي ، وإسمها مكة وبكة وأم القرى ، وأول من سكنها سيدنا إبراهيم عليهالسلام بوالدة ولده سيدنا إسماعيل عليهالسلام ، فكان سيدنا إسماعيل أبا العرب ورفع هو وأبوه قواعد البيت العتيق فكان مقصد الأمم الحنيفية ، وهذا البيت الكريم هو في وسط المسجد الحرام وزواياه الأربع مقابلة للجهات الأربع أعني الجنوب والشمال والغرب والشرق ، وآخر بناء له إلى الآن هو بناء السلطان سليم الثاني (١) على نحو الأصل الذي كان عليه زمن النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأن سيدنا عبد الله بن
__________________
(١) هو سليم الثاني السلطان العثماني الحادي عشر (١٥٦٦ ـ ١٥٧٤) على أيامه جرت معركة ليبانت البحرية (١٥٧١) بعد احتلاله لقبرس المنجد صفحة (٣٦٤).