ونفسي ، فذهب مغاضبا وبقيت أنظر في عجائب الخلق من الحالة التي بينا بعضها إلى أن خف الماشي فرافقت آخرهم حتى وصلنا إلى المزدلفة ، ولم أجد رحلي فجلست في قوة حتى مر بي أحد أصحاب رحلي فانتقلت إليه وجمعنا بين المغرب والعشاء.
ثم بعد أداء مناسك المزدلفة توجهنا إلى منى وخيمت في مرتفع من الأرض في أطراف نزل الحاج مع أهالي جاوة ، ورجعت إلى مكة وأديت بقية المناسك وفككت الإحرام ، ثم رجعت إلى منى إلى تمام أيامها ، وكان في اليوم الأول عند رمي الجمار من الزحام ما وصفنا بعضه حتى مات عدة أناس وانكسر عدة ، وإنما ذكرت هذا تنبيها لإخواني حتى يحترزوا من ذلك ولا يغتروا بأقوال الإدلاء لأن لهم مقاصد وأطوار غير محمودة ، ثم أتممنا مناسك منى ورجعنا إلى مكة واكتريت بيتا في المحصب خارج مكة تطلبا لصحة الهواء وبرودته لأن المرض اشتد عليّ ، ثم أحرمت بعمرة وأديت مناسكها ، ثم خيمت قرب الركب الشامي إلى أن تهيأت القافلة التي اكتريت بها الجمال للتوجه للمدينة المنورة فسافرنا اليوم التاسع عشر من الشهر ، واشتريت حمارا للإرتياح عليه فأفادني جدا لأني كنت أركبه بعد الظهر فنسير ومعي أحد رفقائي الذين صار منهم بعض التونسيين إلى أن نصل إلى أول القافلة الحاوية عدة مئات من الإبل والمسافرين فنأتي إلى جهة مستظلة قرب الطريق ونجلس على زربيتين ونستريح ونتوضأ ونصلي في نحو ساعة أو ساعة إلا ربعا فيأتي آخر القافلة فنركب الحمار ونفعل كذلك مرتين أو ثلاثا إلى أن نصلي المغرب ويشتد الظلام فنركب الجمل.
وكان سفرنا على الطريق الفرعي بعد ضمانة مشايخ أصحاب الإبل لأمير مكة في أمن من معهم وكان كراء الجمل الذي عليه الهودج ثلاثة وعشرين ريالا دورو أي مائة وخمسة عشر فرنكا من مكة إلى المدينة ومنها إلى ينبع وبقية جمال الرحل والأتباع لكل جمل خمسة وسبعون فرنكا ، واكتريت رجلا بدويا من موالي الجمالة شجاعا قويا لقود الجمل الذي نركبه والإعانة على بقية اللوازم فرأيت منه خيرا لكنه لم يوف بوعده فإنه تخلف عني في المدينة المنورة ولم يصل إلى ينبع ، فرحلنا من مكة اليوم الأول بعد الظهر وسرنا يومنا في طريق طيب ونزلنا بعد العشاء ثم رحلنا قبل الشروق وصعدنا في جبل وعر جدا وبعد أن سرنا فيه نحو خمس ساعات ، سرنا في طريق بسيط إلى المدينة المنورة ولولا ذلك الجبل لكانت العجلات تستطيع السير بسهولة في الطريق ، وكان سير الجمال لا يزيد عن ثلاثة أميال في الساعة حسبما حررته إذ ذاك وهو سير مهين متعب ، وتدوم المرحلة من إثنتي عشرة ساعة إلى ستة عشرة ساعة وواحدة منها دامت إثنتين وعشرين ساعة بحيث جعلوا مرحلتين في واحدة لكي يستريحوا يوما بدون رحيل في بلادهم وهي الجديدة ولا ينزلون إلا قرب ماء.
وفي الليلة الثانية عشر وصلنا المدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام