مطلب في الأكل في إنكلاتيره
الإنكليز أكثر أكلا من غيرهم حتى أن المقلل منهم لعددها يأكل أربع مرات في اليوم صباحا وقبل الظهر وفي الساعة السادسة بعد الظهر وقبل النوم والأخيرة هي الخالية عن المطبوخ ، ومنهم من يأكل ثمان مرات في اليوم ، وأكلهم على العموم بسيط إذ هو شوربة ولحم خالص مقلي أو مشوي أو مسلوق وبطاطس مسلوقة في الماء ليس إلا ولا يضعون في الطعام شيئا من التوابل ، بل يأتون بها في أواني أمام الآكل يأخذ منها غضة بدون طبخ بل حتى الملح كذلك عند بعضهم ، ومن هاته التوابل الحريفة كثيرا كالفلفل وغيره مما يستعمله الهنود ، ويأتون إلى موائدهم بقطع كبيرة من الجبن وهو ألذ جبن رأيته ، كما أن اللحم أيضا يأتون به قطعا كبيرة جدا بحيث يأتون بفخذ بقرة صغيرة كله قطعة واحدة ، كما أنهم أكثر أكلا للخنزير من غيرهم ممن رأيت والمترفون منهم والمطاعم الشهيرة العامة يأتون بطباخين فرنساويين ، وقد رأيت بإحدى المطاعم بلندره قسما لأكل الإنكليز وقسما لأكل المشرقيين وقسما لأكل الفرنساويين ، فيختار الآكل الجهة التي يريدها وكان الداعي لبساطة أكلهم ولو عند الأغنياء كثرة الغش في المأكولات بحيث لا تكاد تجد خبزا من دقيق الحنطة حقيقة بل هو فيه أنواع شتى تركب بإتقان حتى لا يفرق بينها وبين الأصل إلا بعمليات كيمياوية ، وكذلك الزبدة فما هي إلا شحم حيوانات تركب مع أجزاء بأعمال كيمياوية حتى تصير مثل الزبدة وهكذا سائر الأشياء إلا اللحم ، وقد ذكر في كشف المخبا (١) ما يتعجب منه من خلط المأكولات وغشها وجهل العموم بأنواع الطبخ ، وهم كثيرو الشرب للمسكرات الروحية وكذلك السكركة أي البيرة لشدّة البرد وقلة الخمر وغلائه حيث لا ينبت بأرضهم العنب ، ويخلطون البيرة بورق التبغ حتى تصير شديدة التأثير ويكثرون منها حتى يغمى عليهم ، بل أن أيام الأحد ترى النساء والرجال سكرى على الطرق ملقون ويتفوهون بالفحش وبعضهم أحيانا يموت من كثرة السكر ، وأهل اليسار يشربون الشاي بكثرة سيما في السمر ليلا ويدعو الأحبة بعضهم إليه ويختلفون لشربه ويجعلون في أقداح الشرب قطعا من الليمون الحامض أو يخلطونه بشيء من اللبن ويأكلون معه شيئا من الخبز والزبدة وغير ذلك من المآكل الخفيفة ، لكنهم لا يضعون فيه العنبر أو غيره مما تصنعه المغاربة والمشارقة ، وأكثر طبخهم في الأواني من الحديد لا النحاس لأنه إذا لم يبيض دائما ينشأ منه الصدء القتال ، ولذا صار أغلب أوروبا إنما يطبخ في أواني الحديد أو النحاس التي يجعل داخلها مطليا بنوع من الخزف بحيث لا يمس النحاس الطعام.
ومن عاداتهم في الأكل أكل اللحم النتن سيما في بعض الطيور حتى يصير الطير يكاد يتحرك من الدود الذي نشأ فيه ، وإذا أدخل إلى بيت الأكل زكمت أنوف حتى الكلاب من قبح نتن رائحته وهم يستلذونه على ذلك مثل سودان أفريقية ، ومن القواعد الجارية في
__________________
(١) هو كتاب كشف المخبأ عن فنون أوروبا المار ذكره. أنظر معجم المطبوعات (١١٠٦).