خمس دقائق كل ذلك إظهارا للعناية بمن نفع وطنه منهم ترغيبا لمن يسلك ذلك المسلك.
وعلى نحو من ذلك رأيت سنة ١٢٩٥ ه ١٨٧٨ م جنازة ملك «الهانوفر» الذي أدخلت مملكته دولة البروسيا في مملكتها وفر هو وسكن في باريس ، وهو شيخ مسن ولما مات حضرت جنازته أمراء ووزراء ألمانيا وجعلت له دولة فرنسا أبهة على نحو ما تقدم ، غير أنه أخرج من داره لا من الكنيسة ولقد تذكرت في تلك الكنيسة عندما شاهدت حركاتهم وهيئتهم قول نبينا صلىاللهعليهوسلم الصادق الأمين : «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه ، قلنا : اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال : ومن» (١) اه كما ورد ذلك في الصحيح ، إذ علمت من ذلك منشأ وجود الكلات في الجوامع وتغني المؤذنين والمقيمين فيها وإجابتهم للأئمة بألحان متناسبة وتلحين الخطباء والأئمة في القراءة والدعوات إلى غير ذلك من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان وما هي إلا ضلالة وإفساد وزيادة ونقصان في العبادة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وحيث كان أعظم المواكب الاعتيادية عندهم هو رأس السنة نذكر ما وقع في باريس في رأس السنة الأعجمية الموافق لذي القعدة سنة ١٢٩٠ ه من حالة التزاور عندهم فيها ، لأنهم يكتفون عن أتعاب الزيارة بإرسال أوراق الأسماء فيما بين المعارف وترسل بواسطة البريد أو حمالين معدين لقضاء الحاجات يقفون في الطرق وعلى صدر كل واحد قطعة من نحاس عليها عدد وساما من الحكومة بأنه أمين مجاز له في تلك الصناعة ، فوزع بواسطة البريد فقط مليون وخمسمائة وستون ألف ورقة عدا ما وزع بواسطة الحمالين ، وأرسلت إلى أهالي باريس مكاتيب تهنئة من الخارج مليون وخمسمائة ألف وكان المرسل منهم في يوم رأس العام من المكاتيب المضمنة في البريد تسعة آلاف مكتوب ونسبتها لغير المضمن نسبة واحد من مائة.
مطلب في اللغة
اللغة الفرنساوية فرع من اللغة اللاتينية ولهذا لم يزالوا يراعون في الكتابة أصول تلك اللغة حتى يكتبون أحرفا لا ينطقون بها بل وبعضها لمجرد مراعاة الأصل بدون فائدة أخرى ، ولا زالت في التهذيب والإعتناء بها ولها جمعيات علمية لتحسينها وضبطها وقد اشتهرت اشتهارا كليا في العالم من وقت ارتقاء نابليون بونابارتي الأول إلى إمبراطورية فرنسا ، حتى وقع الاتفاق بين الدول الأروباوية على أن تكون هي اللغة المستعملة في المحاورات والمخاطبات بين الدول ، وصار من لوازم أهل السياسة معرفة التكلم بها ولذلك
__________________
(١) الحديث في صحيح البخاري برقم (٣٤٥٦) وفي صحيح مسلم كتاب العلم رقم (٦) : وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل ٢ / ٣٢٧ ، ٣ / ٨٤ وفي المستدرك للحاكم ١ / ٣٧ وفي مشكاة المصابيح للتبريزي (٥٣٦١) وفي سنن ابن ماجه برقم (٣٩٩٤) وفي تفسير ابن كثير ٤ / ١١٤ وفي المعجم الكبير للطبراني ٦ / ٢٢٩ وفي كنز العمال (٢٠٩٢٣).