الباب الخامس
في قطر الجزائر
الفصل الأول في سفري إليه
قد تقدم إني لما رجعت المرة الأولى من فرنسا كان رجوعي بحرا مارّا على بلد بونه المعروفة بعنابه ، وهي أحد فرض الجزائر ، فأرست بها الباخرة صباحا في مينا صناعية واسعة متينة تصل البواخر فيها إلى الرصيف في البر ويصل الرتل بطريق الحديد إلى حذو فوهة هاته المرسى الصناعية لكنه رتل للسلع خاصة ، وبهاته المرسى كثير من السفن والبواخر منها نحو ثلاثة بواخر لشركة معدن الحديد الموجود بقرب عنابه ، فهذا المعدن هناك غني ويستخرج بكثرة ويحمل في حوافل طريق الحديد وهي توصله إلى ذات البواخر التي تحمله إلى مرسيليا وفي كل يوم تخرج من المرسى باخرة مشحونة به وتدخل أخرى خاوية ، وفي مرسيليا يصفى ويشغل لأنهم وجدوا ذلك أرخص مصروفا من جلب معمل لتصفيته في محله ، ولما أرسينا رأينا البلاد من جهة الغرب متصاعدة في جبل وحول المرسى أبنية حسنة من النوع الأوروباوي ثم نزلنا إلى البر فوجدنا عجلات الركوب للكراء لكنها رديئة وسخة ، فذهبت لداخل البلد فإذا فيها قرب المرسى بطحاء وطريق متسع وحواليه أبنية جميلة وقهاوي ومنازل للمسافرين وحوانيت لبيع الحلويات والتحف الظريفة وفي وسط البطحاء حديقة صغيرة منتزها للمارة ، وفي وسط البلد بطحاء أخرى صغيرة يحيط بها سرادقات تحتها حوانيت وفي هاته البطحاء الجامع الكبير فذهبت إلى الحمام الذي هو قرب الجامع حيث كان فرضي التيمم في السفينة إذ لا حمام بها ، ولما دخلت إلى البلد وجب الحمام فإذا هو على نحو حمامات تونس وسائر بلاد المشرق ، غير أنه غير متقن النظافة وليس فيه بيوت منفردة للتطهير للإنسان وحده وإنما يتطهر الإنسان بعد التنظيف في محله ، فيقع الحرج من التحفظ على كشف العورة أمام المغتسلين ، ولذلك كان أكثرهم مكشوف العورة وهي مصيبة عامة ، في أغلب البلاد الإسلامية التي رأيتها على خلاف تونس فإن حماماتها لها بيوت صغيرة ذات أحواض صغيرة لغرف الماء منها ، ولها أنابيب للماء الحار والبارد وللبيت باب يغلق وينفرد الإنسان للتطهير وحده بلا مشقة ، ولذلك كنت أختار الحمامات الإفرنجية في أكثر أسفاري ولو في البلاد الإسلامية لأنها أبعد عن المحرم من كشف العورة وإن حصل فيها تعب من جهة الإغتسال المعتاد ، وذلك أن هيئتها بيت صغير فيه حوض كبير يحمل الإنسان وله أنابيب للماء الحار والبارد وفي البيت متكأ ومسطبة