الباب العاشر
في المملكة العثمانيّة
تنبيه : لما كانت هاته المملكة ليست كسائر الممالك التي مرّ الكلام عليها لا من جهة الذات ولا من جهة المعنى ، أما الذات فإنها مركبة من ممالك شتى كانت كل واحدة منها مستقلة بنفسها ولا يزال كل منها له صفات خاصة من جهة جغرافيته وجنسيّة أهله وعوائدهم وأخلاقهم وغير ذلك ، فيمتنع الكلام عليهم كلهم من هاتيك الجهات بصفة واحدة وإن تكلمنا على كل واحدة منها بانفرادها ربما عدل الكلام فيها جميع ما تقدم وما يأتي في الممالك التي شاهدناها ، ولذلك رأينا أن نتكلم عليها من الحيثيّة التي يدل عليها إسمها وهو كونها مملكة عثمانيّة إذ ليس هناك قطعة من الأرض تسمى في الأصل بهذا الإسم وإنما لكل منها باعتبار ذاته إسم خاص ، والجامع بينها في هاته التسمية إنما هو كونها تحت سلطة دولة سلطانها من هاته العائلة وهي العثمانيّة أي المنسوبة إلى عثمان الذي هو أول من تسلطن من العائلة وبقيت في ذريته إلى الآن.
هذا من جهة الذات وأما الحامل على مخالفة ما سبق في مثلها من جهة المعنى فلصعوبة الأمر أو تعسره لأن قول الحق صعب والكذب حرام ، ونحن وإن كنا في هذا القطر السعيد بأمنه في ظل خديوينا المعظم التوفيقي لا زال قرة لأعين أهل الإسلام ولكل سكانه من الأمن والحريّة ما يسيغ له أن يقول الحق ولا يخشى لومة لائم ، غير أن بعض مقتضيات الحال تستدعي الأقتصار في المقال فلا مخلص في الكلام على هاته المملكة العثمانيّة إلّا الإقتصار على الإجمال على حسب ما تسيغه الأحوال إلى أن ييسر الله بفضله أفراد هاته المملكة بتأليف خاص يحتوي على التفاصيل في الحقير والجليل ، ورحمته تعالى قريبة لا يعزب عن أمره شيء وهو على كل شيء قدير.
فصل في سفري إليها
قد تقدّم أنا ركبنا من مرسى ينبع في رجوعنا من الحج وقد كان ركوبنا في باخرة نمساويّة من أجمل البواخر البريديّة السيّارة بين الهند وأوروبا ، فاجتازت بجدة وحملت منها ذلك الطود الشهير ذا النسب الخطير والحسب المنير السيد سلمان القادري حفيد قطب الأقطاب الأكبر مولانا سيدي عبد القادر الجيلي رضياللهعنهم ، وهو نقيب أشراف بغداد أيضا وأكبر عائلته وكان حاجّا في ذلك العام فمن الله تعالى عليّ برفقته عندما اجتازت الباخرة بمرسى ينبع ، وركب في الباخرة أيضا بعض من الحجاج الترك العثمانيين والروسيين