الأحوال الشخصية ويفتونهم بحسب مذاهبهم ، وهؤلاء المفتيون كلهم يولون بأمر من الدولة العثمانيّة.
وأما بقيّة البلدان فجدة بها قاض يولى مثل السابقين وغيرها من البلدان يولى فيها نائب عن القاضي يعينه قاضي مكة لإجراء الأحكام الشرعيّة في البلد التي هو بها ، وبقيّة الإدارات والأحكام ترجع إلى القائمقام أو الشيخ وهو الذي يحكم بما يريد. والحاصل أن إدارة الأحكام بالحجاز لا زالت إلى الآن على شبه من النمط القديم أعني أنها ليس بها مجالس للأحكام العرفيّة وغيرها من القوانين الجارية بالممالك العثمانيّة الآن ، ويا ليت الأمر يجري حقيقة على المنهج الذي سلكه الخلفاء الراشدون كيف وهو مكان ظهور الشريعة وإقامة العدل وتأسيس التمدن الحقيقي الصالح لاستقامة الدنيا والآخرة والأمر لله وحده لا رب سواه.
مطلب في هيئة المساكن
المساكن بالحجاز تختلف بين حالها بالمدن وحالها بالقرى ، فأما المدن فالديار بها هي شبيهة بالنون الذي ذكرناه في مصر غير أنها في مكة تكثر طبقاتها حتى أنها ربما بلغت إلى الست طبقات كل منها مستكمل اللوازم لا يحتاج إلى غيره في السكنى ، والطبقة الأرضية لا يعتنى بها للسكنى وإنما هي للمرافق وجلوس الرجال بخلاف المدينة المنوّرة فإن دورها كل منها بها طبقة أرضية يسكن فيها في الصيف لأنها أبرد من العلوية ، غير أن المبيت بكل منهما يكون غالبا في الصيف في السطوح التي يجعل لها حرم كاف لوقاية السكان من السقوط ، والأبنية كلها لا تجصص حيطانها إلّا في بعض الديار الحسنة لأهل الثروة فإنها تجصص وتبيض حيطانها وتدهن سقوفها التي تجعل من عيدان النخل ويجعل عليها من أسفل ألواح لاصقة منظمة ويعلق فيها ثريّات. وأما بقية الديار وسائر الأبنية فإن الحيطان يسد فيها ما بين الأحجار بطين البناء المركب من الجير والطين ثم تبيض بماء الجير والسقوف تكون من عيدان النخل مكشوفة للرائي وفوقها حصير من أنواع الحلفاء وفوقه التراب ، وليس في الحجرات بلاط ولا غيره بل الأرض تكون ترابا عليها الحصير أو الزرابي (الابسطة) إلّا المدينة المنوّرة ، فإن الطبقة الأرضية مبلطة بأنواع من الأحجار الشبيهة بالمرمر والدرج في كل غير محسنة متعبة إلّا نادرا ، وديار مكة لا سيما المعدة للأجرة كل طبقة منها لا يوجد فيها مطبخ وإنما يطبخ أهلها بإحدى حجراتها بالفحم أو الحطب نادرا لإحضار مياه الاغتسال في الشتاء وأما في الصيف فلا يسخنون الماء للإستغناء عنه ولهذا لا يوجد في كل من مكة والمدينة إلّا حمّامان بكل منهما لأن السكان يغتسلون في ديارهم غالبا وهكذا بقيّة البلدان ليس بها حمّامات ، ومفروشات الديار على النحو الذي هو جار بمصر وغيرها من التشبه بالمفروشات التركية والأوروباويّة ومن غريب صناعتهم المغالق التي تقفل بها الأبواب فإن المفاتيح نحو عود مستطيل في آخره أسنان تدخل في ثقب في المغلاق وترفع إلى فوق