ويجذب المغلاق بعجلة إذ ذاك فينفتح ولا ريب أنه سهل السرقة إذ تقليد المفاتيح على ذلك النحو يسير لكن الأمر الفظيع هو أن تلك المغاليق على شكل الصليب ، وقد رأيت على باب الحجرة النبويّة مغلاقا من تلك المغاليق وهو من ذهب تقشعر من رؤيته الجلود ، وقد خاطبت من يقتدر على تغيره فتعلل بأن ذاك لا يخطر على فكر أحد من الأهالي لجهلهم الصليب ، وبقي الحال على ما هو ولله الأمر.
هذا في المدن وأما في بقيّة البلاد الأخرى فكل دار تؤلف من طبقة واحدة إلّا نادرا من طبقتين ، وهي في الحقيقة بيوت لا ديار والفرق بين الدار والبيت أن الدار هي المسكن الذي يشتمل على جميع المرافق المحتاج إليها وأبواب حجراته إلى فسحة تكون في وسطها غالبا مكشوفة إلى السماء ، وأما البيت فهي التي مثل ما ذكر غير أنها لا فسحة بها مكشوفة أعني الفسحة التي فيها أبواب الحجرات وهذا هو الفرق اللغوي وإن كان الإستعمال مختلف بحسب الإصطلاح في البلدان فالحجاز ومصر مثلا يطلقون على الكل بيوت وتونس والمغرب يطلقون على الكل ديار ، وهاتيك البيوت في القرى الحجازيّة مظلمة غالبا إذ لا يجعل لها شبابيك على الطرقات وليس بها فسحة مشكوفة ، فغاية الأمر أن يجعل للحجرات منافذ للضوء بقرب السقوف احتراسا من كشف الساء لأنهم يشددون بحجبهنّ كما تقدم سابقا ، فتلك البيوت شبيهة بالغيران ولا تبيض بالجير إلّا نادرا ما عدا سطوحها التي هي على نحو سطوح المدن من الإتقان في تجصيصها لكي لا تخترقها الأمطار ، فتكاد هاته القرى أن لا تبين للناظرين إلّا إذا بلغوها خصوصا التي هي في مرتفعات الجبال السود فإنها لا تكاد تبين ، والحاصل أن الأبنية على العموم نسبتها للتمدن كنسبة بقيّة الصنائع التي مرّ ذكرها في مطلبها ، غير أنه يوجد في صناعة النجارة إتقان للرواشن وبعض الأبواب والشبابيك على العموم أي الطواقي المطلة على الطرقات أو غيرها ، لا يوجد بها زجاج يمنع دخول الريح إلّا نادرا في بعض الديار المترفة أهلها ، ومن الغريب أن ترى البيوت مفروشة بالزرابي في مدة الصيف مع شدة الحر هناك فهم في الحقيقة غير مستعدين للتوقي منه إلّا أهل المدينة فإنهم معدون الطبقات السفلى لذلك ، فيجعلون فيها بيتا رحيبا له جهتان يمنى ويسرى مرتفعتا الأرض عن الوسط الذي به حوض للماء غالبا وسقفه مكشوف إلى السماء ينجذب منه الهواء إلى أسفل ويكون الماء جاريا إلى ذلك الحوض ، ويجلس السكان بإحدى الجهتين التي يجعل بهما مساطب وأرائك وكل تلك الطبقة مبلطة بنحو الرخام كما ذكرنا سابقا ، وذاك مناسب لشدة الحر على خلاف من أهل مكة وغيرهم الذين ليس لهم مثل ذلك.
وأما الطرقات على العموم بالبلدان وغيرها فهي طبيعيّة ليس بها تحسين ولا صناعة ، وغاية الأمر أنها تكنس في المدن فهي نظيفة وأغلبها ضيق حتى يكاد أن لا يمشي ببعضها إلّا إنسان واحد في أن أصل الشريعة على خلاف ذلك ، فإن سيدنا عمر رضياللهعنه لما استشير في بناء بلد للصحابة والجيش الذي فتح الفرس لما استوخموا أرض فارس وأمرهم