لكثرة المال ، فإدارة «التيمس» لها من الدخل والخرج السنوي ما يضاهي دولة من الدول الثانوية مع أن كل نسخة منه لا تباع إلا بثلاثين صانتيما أي ثلاثين من مائة من الفرنك الواحد ، ولو اشتري الورق وحده أبيض لكان أغلى من ذلك لأن ورقه هو من معمل خاص به فالربح العظيم إنما هو من كثرة الخرج مع كثرة الإعلانات ، وعدد نسخ كل دفعة نحو من السبعين ألف نسخة وعلى نحو منه في أصول الإدارة صحف أوروبا الشهيرة كلها.
مطلب في الصنائع في انكلاتيره
أما الفلاحة فهي مترقية للغاية وأكثر ما يستنبت هو القمح والشعير والبطاطس وشجرة الدينار التي تستعمل منها السكركة أي البيرة ، وكل المستنبتات لا تكفي حاجة الأهالي فيجلبون من الخارج كثيرا إلا شجرة الدينار ، وبقية الصنائع فأعظمها عمل آلات الحديد بأنواعها والسفن والمنسوجات القطنية ولهم فيها مهارة على سائر الممالك حتى صارت أرخص عندهم من غيرهم ، ثم المنسوجات الصوفية لا سيما المستخرجة من صوفهم الرفيعة المشابهة للحرير ، وبقية الصنائع هي دون ما في فرنسا في الحسن والرونق لكن جميع مصنوعاتهم متينة.
مطلب في هيئة المساكن في إنكلاتيره
المساكن في إنكلاتيره على خلاف الممالك المتقدم ذكرها فإن هيئة البناء من خارج على نحو ما في الاستانة من خروج جهات من الدار ودخول أخرى ، وكذلك الطواقي تنفتح أبوابها بالرفع إلى فوق مع كونها غير كبيرة مثل ما في بقية أوروبا ، وكذلك الديار كل منها لا يسكن إلا عائلة واحدة ولا تزيد طبقاتها على ثلاث والبناء كله من الآجر والسقوف والدرج من خشب متقن الصنعة والإلصاق ببعضه ، ومن أحسن ما عندهم هيئة الكنف واتساعها ونظافتها وإن كانوا يجلسون عليها جلوسا ، فما تقدم في الأبنية هو الغالب والقليل مثل بقية أبنية الممالك السابقة ، ثم أن منازل المسافرين هي أيضا مثل الممالك السابقة غير أن أكثر الواردين إنما يسكنون في ديار منفردة يجدها الإنسان حاضرة بجميع لوازمها وينفق في أكله على حسب إرادته ، والذي يقوم له بلوازمه هو صاحب المحل فيسأله عن مقدار ما يريد يصرف يوميا وعن إجمال وقت أكله وما هو مشتهاه منه فيصرف له على نحو ما يريد ، وتخدمه خوادم المحل الذين هم في الأغلب من البنات الجميلات ، ومن أراد كراء بيت واحد فله ذلك وهذا الطريق أرفق بكثير من السكنى في منازل المسافرين لأنها في إنكلاتيره غالية جدا كأنها معدة لأرباب الترف خاصة ، ثم أن حارات السكنى لا تجد فيها حوانيت للسلع أو غيرها من اللوازم بل ذلك من عيب المسكن عندهم ، والطرق التي بها الأسواق وحوانيت البياعة لا تسكن إلا للأراذل بحيث يصح أن يقال أن عاداتهم في المسكن قريبة كثيرا من عادات المسلمين في انفراد العائلات وحماية الديار من التطرق وشدة النظافة ، في داخل الديار تنظيمها كل على قدر سعته.