الصورة لأنهم لا يصلون وصلاة واحدة مثل فريضة الحج ، وتركهم للصلاة يأتي من نجاسة أبدانهم من تغوطهم بلا استنجاء ومن المياه الملقاة عليهم بغسل السفينة ، ومن عدم وجود مكان للصلاة لأنهم يمنعون من تجاوز مكان جلوسهم ومع ذلك يعاملون معاملة الحيوانات العجم من الخريتين بالإهانة والسب إلى غير ذلك ، وأيضا يعتري بعضهم الدوار البحري فيتقايا في مكانه بل منهم من يتغوّط ويبول فيه وتصل نجاسته لمن بجنبه ، فلما رأيتهم في سوء تلك الحالة ذهبت إليهم وأعلمتهم بالحكم الشرعي في وجوب الحج وشروط الإستطاعة فيه وسألتهم لماذا يعدلون عن ركوب الطبقة الوسطى في بواخر البريد أو في العليا هناك مع أنها ليست بغالية وبعضهم تظهر عليه آثار الثروة فأجابوا بأن ذلك العذاب لا ضير فيه لأنه مدخول عليه في السفر إلى بيت الله بل مهما إزداد كان ثوابه أكثر وأصروا على ذلك منكرين عليّ قولي فعدلت عن ذلك ولاطفتهم في المحافظة على الصلاة ، فقالوا : كيف نصلي ونحن على هاته الحالة وأين نصلي؟ فقلت لهم : إنكم مالكية ومذهبكم يرى صحة الصلاة ولو على ما أنتم عليه لأن إزالة النجاسة تجب وقيل : تستحب فقط مع القدرة والتذكر ، فقال لي واحد منهم : إني أصلي كما رأيتني ، قلت : نعم رأيتك تصلي ، والآخرون قالوا : لو نجد مكانا ويتركوننا نتطهر فإننا نصلي فتلطفت لرئيس الباخرة إلى أن أذن لهم في التفسح واستعمال الماء في المرحاض فقط لكن أغلبهم مع ذلك لم يصل ، وقد سألتهم أيضا عن موجب كثرة رحالهم حتى أن بعضهم رافع جرة كبرى ملفوفة بشرطان الحلفاء للماء وقريبة منها للأدام والقديد إلى غير ذلك ، فقالوا : ذلك لقوتنا ، فقلت : إنكم متوجهون إلى مدن إن لم تكن أكبر من مدنكم فهي نحوها ولا بد أن يكون لأهلها ما يكفيهم فهلا وسعكم ما وسعهم وزاد الطريق في البراري يؤخذ من أقرب مدينة إليه فقالوا يلزم لذلك الثمن وهذا الذي عندنا إنما هو من بيوتنا فقلت لو بعتم هذا وأضفتم عليه كراء حمله بحرا وبرا لكان أرخص عليكم من شراء الزاد من الأماكن اللازمة فقالوا تلك بلاد لا نعرف أحوالها والأولى التزود من أماكننا وهكذا جرت العادة ، فعلمت أن تأثير العوائد أمر صعب جدا.
وفي غروب اليوم الرابع وصلنا إلى الإسكندرية ولم يظهر لنا منها شيء لأن أرضها منخفضة ولا جبال بها حتى يمكن رؤيتها من بعد وحيث كان وصولنا بعد الغروب ، ومن الرسوم أن لا تدخل السفن إليها إلا بهاد يهديها الطريق حيث كان قرب مرساها صخرات لا تبين من البحر وتضر بالسفن إذا صادمتها لزم حضور أولئك الهداة ليدلوا السفن على الطريق ، ولهم على ذلك أداء معين فلزم الباخرة أن تكون طول الليل غادية رائحة في نحو ميلين ولم يظهر لنا من البلد سوى منارة هداية السفن ، وقرب الشروق ظهر الهادي في قارب قادما للباخرة فأعرض عنه السفن محتقرا له ، وابتدأت مشاهدتي لتعاظم الإفرنج على المصريين وتبين أن السفن كان عالما بالطريق لكنه إنما توقف عن الدخول لمجرد الرسم ، فدخلنا المرسى فإذا هي ذات مأمن وذات مرسى صناعية فيها من بواخر الحكومة المنحازة