إلى جهة خاصة ثمانية بواخر كبار كلها خشب ، وفيها من البواخر التجارية الأجنبية أزيد من عشرين ، وفيها باخرة حربية أجنبية. وبعد تمام الإرساء وأخذ الإجازة للباخرة من مأموري الصحة في إنزال سلعها وركابها أذن للركاب بالنزول ، وذلك لأن من القوانين العامة أن كل سفينة تسافر من مكان يلزمها أن تأخذ من مأموري الصحة به الذين لهم ديوان خاص صكا منصوصا به حالة البلاد التي سافرت منها من جهة الأمراض العامة ومقدار ما في السفينة من الركاب وأنواع البضاعة التي بها ، فإذا وصلت إلى مرسى مقصودة لها أول ما يتلاقاها مأمور والصحة فيطالعون ذلك الصك ويبحثون عن صحة الركاب وعددهم فإن لم يوجد بها شيء مضر أذنت بإفراغ ما تريد في تلك المرسى ، فأحاطت بالباخرة القوارب الغفيرة وثار عجاج الصياح من أصحابها المختلطين من أهالي وإفرنج في النزاع على حمل الأثقال والركاب ، ولما رأيت الأمر متفاقما ضم لي خريتوا الباخرة صنيدقات رحلي وجلست حارسا لها في زاوية لأن أصحاب القوارب كادوا يختطفون الرحال شاء صاحبها أم أبى من غير مساومة للأجر وتلك خلة فيهم في أي بلد كانوا ثم بعد الوصول يطلبون الأجر أضعافا مضاعفة ، ولما نزل جميع الركاب مع رحالهم ولم يبق حول الباخرة إلا قوارب السلع التي عهدتها على القمرق دعوت قاربيا واتفقت معه على أجر معين ، وأعانني على ذلك ابن وكيل حكومة تونس الحاج علي الفيزاني رحمهالله حيث تلقاني في الباخرة بعد أن ورد تابعه سائلا عني وظننته أحد أولئك القاربيين تلقط خبري لأن حركاته لا تتميز عنهم ، ثم لما وصلنا إلى القمرق طلبوا ورقة الجواز وكادت أن تحصل لنا أتعاب بمنع الدخول إلى الإسكندرية حيث كانوا يمنعون دخول من يريد الحج وإنما جعلوا لهم خارج البلاد مكانا محاطا بالعساكر بحيث لا يسوغ للوارد إلا الركوب في البحر أو طريق الحديد توّا إلى السويس ، وكان سبب ذلك كثرة من كان يرد من الأقطار الغربية للحج بلا مال ولا زاد فيتكاثرون بمصر ويحملون حكومتها وأهاليها أعباء ثقيلة مما لا داعي إليه لا شرعا ولا عقلا ، لأن أصل فرض الحج معلق على الإستطاعة بنص القرآن الكريم (١) ، فلا يسوغ الإقدام على السفر بدون شروطه ، نعم إذا وقع لعارض فقد المسافر لمال يقوم به في الرجوع لوطنه أو لمحل ماله أو إقامته ، ففي بيت مال المسلمين قسم معين بنص الكتاب لأبناء السبيل (٢) فيعطون حاجتهم إلى بلوغ مكانهم ولو كان ابن السبيل غنيا لكنه في ذلك الطريق لأمال له فتداركنا الله بلطفه.
وأذننا المكلف بالدخول للبلد فنظروا إلى رحالنا وأرادوا التشديد في تفتيشها وقلب عاليها على سافلها متطلبين الإحسان إليهم فلم يسعني إلا التخلص من الظلم بدفع شيء من المال ارتكابا لأخف الضررين من الخوف من تشتيت رحلي والسرقة منه مع التعب ، ثم
__________________
(١) وهو قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧].
(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة : ٦٠].